في خضم الأوضاع المتأزمة التي تعيشها اليمن، تتشابك الصراعات الدولية والإقليمية على الممرات البحرية الحيوية، مثل باب المندب، مع النزاعات الداخلية، سواء تلك المتعلقة بالحوثيين أو بالقضية الجنوبية الساعية لاستعادة الدولة،
وسط هذه التعقيدات، فشلت الحكومات المتعاقبة في أداء وظائفها الأساسية، مع غياب واضح لمشاريع الدولة وخططها التنموية، مما زاد من السخط الشعبي، لقد نبهنا مراراً إلى خطورة استمرار الفساد وتدوير الفاسدين من الأنظمة السابقة، لكن دون استجابة تُذكر،
لم يعد الفساد مجرد مشكلة إدارية أو مالية، بل أصبح منظومة متكاملة تحمي نفسها بالشعارات الزائفة والوعود الكاذبة، الأسوأ من ذلك، أن بعض رموز الفساد، الذين أثبتوا فشلهم الذريع في إدارة الوزارات الحكومية، يتخفون تحت عباءة "محاربة الفساد"، وهم في الواقع أصل المشكلة وأكبر المستفيدين منها.
على مدى السنوات الماضية، شاهدنا العديد من الوزراء الذين حولوا وزاراتهم إلى بؤر للفساد والمحسوبية وسوء الإدارة، لم يكن هدفهم خدمة الشعب أو إصلاح المؤسسات، بل كانوا منشغلين بتضخيم ثرواتهم، وتوزيع المناصب على المقربين، وإبرام الصفقات المشبوهة التي أثرت سلبًا على حياة المواطن اليمني.
المفارقة العجيبة أن هؤلاء الفاسدين لا يُحاسبون على إخفاقاتهم، بل يُعاد تدويرهم في مناصب عليا، حتى يصل بعضهم إلى سباق الترشح لرئاسة الوزراء، متظاهرين بأنهم رجال المرحلة، وحاملين راية محاربة الفساد، بينما هم في الحقيقة أدوات أساسية لاستمراره.
في كل مرة يُطرح فيها اسم أحد هؤلاء الوزراء الفاشلين لرئاسة الحكومة، يخرج علينا بحزمة من الشعارات الرنانة، مثل:
"سأعمل على اجتثاث الفساد!"
"محاربة الفساد ستكون أولويتي!"
"سأعيد بناء مؤسسات الدولة!"
فكيف يمكن للفاسد أن يحارب الفساد؟ وكيف يمكن لمن تلطخت يداه بالنهب والمحسوبية أن يصبح المصلح المنتظر؟ هذه التصريحات ليست إلا محاولات للتغطية على جرائمهم، وإيهام الشارع بأنهم الحل، بينما هم أساس شبكة الفساد وداعموها.
من الطبيعي أن يبرز هذا النوع من الفاسدين إلى الواجهة، فهناك شبكة من المنتفعين تحيط بهم، تدعمهم وتحميهم، سواء من الداخل أو الخارج. هؤلاء الداعمون، سواء كانوا لوبيات سياسية، أو رجال أعمال، أو أطرافًا خارجية، يدفعون بهؤلاء الفاسدين إلى السلطة لضمان استمرار مصالحهم ونهب موارد الدولة دون حسيب أو رقيب، كستار لحماية الفاسدين وتبرير أفعالهم.
لقد عانى اليمنيون الأمرّين طوال السنوات الماضية، من حرب وحصار وفقر ودمار، حتى أصبحوا عرضة للهلاك في ظل غياب قيادة وطنية صادقة تتحمل مسؤوليتها أمام الله وأمام الشعب.
لا نحتاج إلى المزيد من التجارب الفاشلة وتكريس الفساد وتدوير رموز الفساد من الأنظمة السابقة، فقد دفع اليمنيون ثمنًا باهظًا خلال أكثر من عشرة أعوام من الحرب والفوضى، ولم يعد لديهم القدرة على تحمل المزيد من العبث بمصيرهم. اليمن بحاجة إلى قيادات صادقة، تعمل بإخلاص بعيدًا عن المصالح الشخصية، وتضع مصلحة الشعب فوق كل اعتبار.
إن استمرار إعادة تدوير الفاسدين في المناصب العليا، وإعادة إنتاجهم كـ"منقذين" للوطن، لن يتوقف إلا عندما يكون هناك وعي شعبي حقيقي بضرورة رفض هذه المسرحيات المكررة كما أن القوى السياسية التي ترفع شعارات التغيير يجب أن تتوقف عن التواطؤ مع هذه الأسماء المستهلكة، وألا تكون جزءًا من عملية إعادة تدوير الفساد التي تدمر مستقبل اليمن.
ختاماً، لن يتحقق الإصلاح على أيدي الفاسدين، ولن تُبنى الدولة على يد من سرقوا قوت الشعب، اليمن يحتاج إلى قيادة نزيهة، تضع مصلحة الوطن والمواطن فوق كل اعتبار، لا إلى مزيد من الفاسدين الذين يثرون على حساب معاناة الشعب.
✍️ ناصر العبيدي