السيد معالي الأستاذ الدكتور عبدالناصر الوالي المحترم حياكم الله
اطلعت على مقالتك الأخيرة، التي استعرضت فيها زيارتكم ضمن وفد حكومي برئاسة رئيس الوزراء، الدكتور أحمد عوض بن مبارك. وكما ذكرت، كان الهدف من المهمة الحصول على دعم سياسي للحكومة الشرعية، وهي مهمة تبدو صعبة، أو ربما لم تتمكن من تقديم مبررات واضحة للفشل فيها، رغم إشارتك إلى نجاحكم في حشد ممثلي 35 دولة، بينها ثلاث دول دائمة العضوية في مجلس الأمن، إلا أن المقالة كشفت بوضوح عن الإخفاق في تحقيق الهدف الأساسي، وهو انتزاع اعتراف دولي أقوى بالحكومة الشرعية. وسأوضح لك في النهاية أسباب هذا الإخفاق.
لكن، يا معالي الوزير، لا يزال هناك تساؤل ملح: مع من اتفقتم لأول مرة على أن يكون الدعم موجهاً نحو مشاريع مستدامة بدلاً من المساعدات الإغاثية؟ هذه النقطة بحاجة إلى شرح تفصيلي، أو على الأقل إجابة واضحة عن هوية الأطراف التي تم التوافق معها.
كما أنني توقفت عند الإشارة إلى وجود فريق ضغط على صندوق النقد الدولي لتغيير شروط دعمه لليمن؛ فمن هو هذا الفريق؟ وما طبيعة مهمته؟ أما قولك إن "الصندوق نادراً ما يدعم مناطق الحروب"، فهو بحاجة إلى مراجعة، إذ أن صندوق النقد الدولي يطالب منذ بداية الصراع بإصلاحات اقتصادية، وهو ما لم تتمكن الحكومة من تحقيقه حتى الآن.
معالي الوزير، لا يزال تصريح فريق صندوق النقد الدولي، بقيادة جويس وونغ، في الأول من مايو العام الماضي، عالقًا في الأذهان، حيث شدد على ضرورة تنفيذ إصلاحات اقتصادية جوهرية من قبل الحكومة. وهنا يطرح السؤال نفسه: هل تسعى الحكومة إلى الحصول على دعم دولي عبر القفز على شروط الصندوق؟ فهذه الشروط واضحة، وتشمل تحقيق إصلاحات اقتصادية، ومحاربة الفساد، ومكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
فكيف يمكن تحقيق دعم اقتصادي في ظل انهيار العملة المحلية، والزيادة المستمرة في عدد المصارف المحلية، دون أدنى درجة من الشفافية حول طبيعة عملها وآليات رقابتها؟
أما أكثر ما أثار استغرابي، يا معالي الوزير، فهو الحديث عن الحصول على موافقة لتحويل مركز نشاط المنظمات الدولية إلى عدن. فلو سألتم أنفسكم عن المنظمات المحلية الوسيطة التي تعمل مع هذه الجهات منذ أكثر من عقدين، هل ستجدون بينها منظمة جنوبية واحدة؟ هذا التساؤل وحده كفيل بتوضيح الصورة كاملة.
وعلى ذكر "الجنوب"، هل تحوّلت القضية الجنوبية إلى مجرد شماعة يعلق عليها الوزراء المحسوبون على الجنوب عجزهم وفشلهم؟ ما علاقة وفد حكومي يسعى للحصول على دعم اقتصادي بالقضية الجنوبية (سياسياً)؟ وما الذي يمكن أن يقدمه فعليًا لهذه القضية؟.
لكن دعني أطرحها عليك بكل وضوح وصراحة: ما الفائدة من نقل عمل المنظمات الدولية من صنعاء إلى عدن، إذا كانت المنظمات الوسيطة ليست في مستوى المسؤولية، أو أسوأ من ذلك، تتبع الحوثيين أو الإخوان؟.
معالي الوزير، القضية الوطنية الجنوبية ليست مجرد متراس يلجأ إليه كل من وجد نفسه في مواجهة نيران رفاقه اليمنيين، وليست ملاذًا للاختباء حتى تهدأ العاصفة.
إنها قضية نضال وتضحيات حملناها على عاتقنا نحن، أهلها وحماتها الحقيقيون، فكيف لمن يتحدث عن الجنوب أن يكون عاجزًا حتى عن إصدار قرار توظيف لحراس بوابة وزارته؟!
المزايدة بالقضايا الوطنية لا تجلب سوى السخرية لأصحابها، لأنها تكشف انتهازيتهم أكثر مما تخدم القضية ذاتها. فلا يخفى على أحد أن السفير محمد الحضرمي وفريقه كانوا من أكثر من خدموا المشروع الحوثي السلالي، ليس اقتناعًا به، بل انتقامًا من الجنوبيين، والجميع يدرك تفاصيل ذلك جيدًا.
لا أنتقص من حقك في الحديث عن القضية الجنوبية، فهي شرف كبير لأي إنسان، لكن ما لا يمكن قبوله هو المزايدة بها دون أفعال تعكس الالتزام الحقيقي بها.
معالي الوزير، أنت تتولى إحدى أهم الوزارات في الحكومة، ولا نطلب منك إصدار قرارات بإلغاء الوظائف الحكومية التي حصل عليها لاجئون ومغتربون في دول الشتات، ولكن ما نريده منك ببساطة هو نسخة أو ملف "Excel" يتضمن أسماء من تم توظيفهم خلال السنوات (2015 – 2024)، لا أكثر.. الشفافية وحدها هي ما يصنع الفارق.
معالي الوزير، اسمح لي أن أكشف للقراء عن أسباب الحملة الممنهجة التي يتعرض لها رئيس الحكومة. هذه الحملة تموَّل وتُدار مباشرةً من قبل رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، الذي يستخدم ملفات الفساد والتهديد بالإطاحة بالمسؤولين المتورطين كغطاء لتمرير صفقة استحواذه وأولاده على حقول النفط في شبوة.
معالي الوزير، من هم الذين قطعوا الكهرباء عن عدن بالكامل، احتجاجًا على أن وفد الحكومة كان لأول مرة منذ عام 1994م مكوّنًا بالكامل من جنوبيين؟ وكيف يمكن تفسير هذا الأمر في حين أن مهندس برنامج الزيارة هو محمد الحضرمي نفسه؟.. أليس الأمر مدعاة للسخرية.
لكن أكثر ما أحزنني، هو اقرارك بالهزيمة و"النكبة، والظلام الدامس"، فإذا كنتم فريق حكومة "كلكم جنوبيون"، فلماذا تشكون عبث الظالمين، ثم ما الذي يمكن ان تفعله "شمعة صغيرة"، في مدن جنوبية ساحلية تستعد لاستقبال أحد أسخن فصول الصيف على الإطلاق؟.
وللإجابة عن أسباب فشل الحكومة الشرعية في انتزاع اعتراف دولي (بها) يكمن في ان السفراء والقنصليات والبعثات الخارجية، كلها تعمل لمصلحة الحوثيين، بما في ذلك نائب وزير الخارجية (المعين حديثا)، بالنسبة لمعالي وزير الخارجية (زميلك)، فهو أيضاً قد يأتي بـ"أحمد بنه"، يكون وزيرا للخدمة المدنية "بدلا عنك"، وعبدالسلام فليتة وزيرا للخارجية (بدلا عنه)، والهدف الحفاظ على مشروع الوحدة اليمنية، الذي هو أصبح شماعة يمنية للهرب من مواجهة "مشروع الحوثي".
والله من وراء القصد.
#صالح_أبوعوذل