ضرورة المقاربات الموضوعية سياسيًا ووطنيًا وتاريخيًا، بين واجب الجنوب في مساندته لكل قوى الشمال المعنية قبل غيرها في مهمة إسقاط الانقلاب في صنعاء بما هو ممكن ومتاح لديه، وبين الأولويات والضرورات القصوى والملحة لإنقاذ الجنوب أولًا من أوضاعه الكارثية التي يعيشها، فهو منطقيًا وموضوعيًا الأمر الحيوي والاستثنائي والبالغ الأهمية في هذه المرحلة المضطربة التي تشهدها المنطقة، ما زال المشهد العام المخيم عليها ضبابيًا ومجهول المآلات، بالنظر لتعدد الأطراف وتنوع أهدافها ومشاريعها.
وندرك هنا بوعي كامل أن الأمر ليس سهلًا على صانع القرار الوطني الجنوبي، وهو هنا المجلس الانتقالي وحلفائه على ساحة الجنوب الوطنية، الأمر الذي يستدعي من الجميع تفهم ذلك بوعي ومسؤولية وطنية، وهو الذي ينبغي عليه أيضًا -صانع القرار- أن يدرك جيدًا خطورة المرحلة وطبيعة الأوضاع السياسية المتحركة بأكثر من اتجاه، وعليه أن يتقن فن اتخاذ وتحديد مواقفه وتحالفاته الداخلية والخارجية، واستحضار بعض تجارب الشعوب والحركات الوطنية حول العالم وفيما آلت إليه تحالفاتها مع الكبار، وبعيدًا عن متطلبات اللحظة الآنية التي قد تبدو فيها الأمور مثالية لهذه الخطوة أو تلك على هذا الصعيد، ولا بد من العمل حثيثًا على استكمال حلقات ومقومات الدفاع الصلب عن الجنوب ومشروعه الوطني، ولن نكرر هنا ما سبق لنا طرحه مرات ومرات بهذا الشأن.
وندعو هنا بصدق وإخلاص إلى تركيز الجهود ومضاعفتها على ساحة الجنوب الوطنية الداخلية، والتغلب على ما لحق بالحياة السياسية من تعقيدات ومصاعب وتجاذبات، وبما ساد ويسود من سوء فهم وشوائب على صعيد العلاقات الوطنية الجنوبية مع الأسف الشديد.
وقد تعددت أسباب ذلك بين الموضوعية والذاتية، وكذلك بفعل التباينات والاختلافات التي غذتها وتشجعها طبيعة التدخلات الخارجية المتعددة بدرجة رئيسية، وهي التدخلات الفاضحة والمكشوفة وغير المبررة في كل الأحوال، إلا بكونها عملًا مضادًا للمشروع الوطني الجنوبي، عبر محاولات تفكيك وحدة جبهته الداخلية لتحقيق أهداف تلك القوى والأطراف.
إن الجنوب المعافى والقوي والمتماسك وطنيًا والآمن والمستقر اجتماعيا، هو وحده القادر على تقديم الإسناد اللوجستي والدعم الفعال والممكن لنصرة أحرار الشمال في معركتهم الوطنية لإنهاء الانقلاب، وإنقاذ شعب الشمال مما هو فيه، وهذا ما ينبغي استيعابه من قبل كل القوى الشمالية المخلصة في موقفها المناهض للانقلاب، رغم تأخر فعلها الحاسم كثيرًا.
وعلى هذه القوى والأطراف حتى وإن تباينت مواقفها شكليًا في بعض الأمور أن تدرك جيدًا أيضًا بأن التآمر على الجنوب وقضيته الوطنية وتجويع شعبه ليس بالطريق الأقصر لتحقيق أهدافها، ولن يكون الجنوب وتضحياته جسرًا لعبورها الآمن إلى صنعاء إن كانت صادقة في ذلك أصلًا، ولسنا بحاجة هنا لسرد مواقفها السابقة لأنها معروفة للجميع والشواهد على ذلك كثيرة.