الخارطة العسكرية لمنظومة الشرعية لا تشير بأن هناك تغييرات واستعدادات لأي معركة فاصلة ضد "أنصار الله"، وليس فيها ما يدل على إعادة تموضع التشكيلات العسكرية المتعددة.
القوات الجنوبية، كما هي، تصد هجمات حوثية متكررة منذ سنوات وتحارب الإرهاب المدعوم من داخل صنعاء ومن خارجها، بينما تبسط قوات حزب الإصلاح سيطرتها على المنطقة العسكرية الأولى - سيئون وتعيش حالة (كمون شتوي) منذ 94م.
ومن ناحيتها تحتفظ قوات مأرب (التابعة للإصلاح أيضًا)، بحمد الله، على خط دفاعها الأخير بعد أن فقدت مجالاتها الحيوية في القفار والجبال.
وهناك قوات في الساحل الغربي يصعب تقدير كفاءتها القتالية ومدى اختلافها عن باقي الوحدات.
تلك حالة إستاتيكية للبنى العسكرية القائمة ولا يوجد ما يثبت بأن شيئًا تغير على الأرض أو أن هناك استعدادات قتالية جديدة أو حراك تدريبي (للتهيئة) أو تجهيزات متدفقة حديثًا إلى مناطق عسكرية في الخطوط الأمامية.
أين أجواء المعركة؟
لا شيء غير الركود السياسي والعسكري، يقابله حراك في بورصة الإعلام وأحاديث السلم والحرب حسب القراءات والنوايا. من ناحية أخرى لا يوجد ما يشير إلى أي استعداد من قبل دول التحالف لإسناد أي معركة فاصلة ولا يمكن للسعودية بالذات أن توفر من جديد (غطاءً) جويًّا لقوات لم تنجز شيئًا طيلة سنوات سوى تسليم المواقع. ولا ينبغي أن تجرب المجرب بعد أن تموضعت خارج الحلبة وبدأت تلعب دور الوسيط لطي الملف اليمني والتفرغ للتنمية الداخلية.
المملكة ليست تركيا فهي غارقة في مخاوفها من قدرات الحوثيين الصاروخية وكذلك الدرونز، القادرة على تهديد بنيتها التحتية الاقتصادية وهي المنطقة الأكثر انكشافا في الشرق الأوسط نظرًا لحساسيتها وأهميتها للاقتصاد العالمي وخلوها من القدرات الدفاعية.
كما أن أمريكا ليست في صدد قيادة حرب جوية حاسمة مع الحوثي حتى بإسناد بري من قوات الشرعية. ولا يمكن أن يقاتل الجندي الجنوبي أو الشمالي تحت ظلال سيف "يهوه"، رب بني إسرائيل.
أما الركون إلى "هبّات شعبية" في مناطق "أنصار الله" فتلك حكاية فيها نظر! لأن روح المقاومة هناك عادت إلى رماد الدهور، بعد أن استفاقت في وقت "الربيع العربي"، ثم همدت تنتظر خمسين حولًا قادمًا وفقًا لحساب الأفلاك الاستدلالي للحركات الشعبية. فلا شيء يغير سنن الطبيعة البشرية سوى قوى جديدة. وهي لم تظهر بعد. ومن يعتقد أنّ إخوان اليمن وبقايا النظام القديم قادرون على تجاوز عتبة الحرب الفاصلة أو تحريك الجماهير فإنه بالتأكيد يحلم جهارًا نهارًا.
إيران فقدت أذرعها الأساسية في المنطقة وانكمش حجم تأثيرها الإقليمي خلال زمن قياسي. لكن ذلك لا يعني تخليها الاختياري عن "أنصار الله" بل إنه مدعاة لأن تحافظ (طالما نظامها باق) على الذراع اليمني ليس لأنها مهمة لأهدافها وحسب ولكن لأنها الأكثر ولاء وجهوزية.
العامل الجغرافي يجعل اليمن معزولًا تمامًا عن دولة الاحتلال، "إسرائيل"، ولا تتعدى خطورته مسألة إقلاق الأجواء وتهديد الممرات حتى إتمام صفقة غزة. لكن "أنصار الله" يشكلون تهديدًا حيويًّا مستمرًا للجيران العرب وهو أمر ربما يضيف إلى "حسابات" الغرب عاملًا يمكن استغلاله. لهذا ما يزال متمسك بالحل السلمي في اليمن دون أي إشارات حقيقية لتغير ذلك الموقف.
يحاول الإعلام إذن تسويق فكرة أن خريطة السلام أصبحت جزءًا من مرحلة ما قبل حرب غزة وتداعياتها على محور إيران، وهذا أمر يحفّز اجتهاد البعض. فهل السلطة الشرعية مهيأة لحرب جديدة؟ لا أحد يلمس أي تغيير، خاصة و(جيوش الإخوان) ما تزال على عقيدتها المزدوجة، بينما هم جاهزون للحكم إذا تحمل الآخرون كلفة التحرير.
علامَ الرهان إذن؟
هل على القوات الجنوبية، في الأساس، ومعها القليل من القوات الشمالية؟ ذلك الأمر فيه ألف نظر ونظر.
الجنوب يعاني من محاولات تقطيع أوصاله، وما يزال العمل متواتر لبناء تشكيلات عسكرية وقبلية وسياسية لتمزيقه فكيف يحارب لتحرير الشمال بينما الخناجر تتساقط على ظهره. ذلك سؤال الأسئلة. بمعنى آخر الحرب الحاسمة تحتاج إلى توافق سياسي واضح المعالم وضمانات، ودعم خارجي كبير. وهذا غير متوفر الآن.
*- شبوة برس – صحيفة الأيام