توحيد القوات العسكرية والأمنية اليمنية والجنوبية ذبح للجنوب وقضيته من الوريد إلى الوريد

2024-12-23 04:44
توحيد القوات العسكرية والأمنية اليمنية والجنوبية ذبح للجنوب وقضيته من الوريد إلى الوريد
شبوه برس - خـاص - عــدن

 

"حتى لا نُلْدَغ من نفس الجُحْر للمرة العاشرة".

 

*- شبوة برس - د. عيدروس نصر ناصر النقيب.

تقول التسريبات المنتشرة هنا وهناك عبر بعض المواقع الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي، بأن هناك توجهاً لتوحيد مختلف الأجنحة والمكونات الأمنية والعسكرية (الجنوبية والشمالية) التابعة للأطراف الداخلة في تحالف الشرعية، تحت قيادة شخصية قيادية جنوبية محترمة، بهدف التوجه بها نحو الساحل الغربي لتحرير مدينة الحديدة من الهيمنة الحوثية -كما تقول التسريبات- على طريق تحرير صنعاء واستعادة الدولة المخطوفة من أيدي الجماعة الحوثية.

ولأن تجاربنا مع التسريبات علمتنا أن معظمها (أي تلك التسريبات) تمثل اختباراً لجس النبض لا تلبث أن تتحول إلى مواقف فعلية جادة، كما جرى حينما سُلِّمت مديريات الساحل الغربي من قبل قوات العمالقة الجنوبية إلى قوات الحرس الجمهوري الشمالية بقيادة طارق عفاش الذي بدوره سلم أكثر من نصف مديرياتها لشريكه السابق الحوثي، تحت حجة إعادة التموضع، أقول لأن التحارب علمتنا كل هذا، فإن الأمر يقتضي أن نأخذ التسريبات الأخيرة على محمل الجد ونتفكر في ما ستؤول إليه من نتائج ولصالح من؟ وأين مصلحة الجنوب والجنوبيين من كل هذا؟

وللتذكير فقط فإن مديريات الساحل الغربي قد كانت بأيدي المقاومتين الجنوبية والتهامية وأوشك ميناء ومطار الحديدة على السقوط بأيدي المقاومة لولا اتفاق استوكهولم، سيء الذكر، الذي جاء لاستمرار مد شريان الحياة للجماعة الحوثية التي أوشكت على أن تلفظ أنفاسها، بسقوط الحديدة.

ويؤكد الكثير من المطلعين على بواطن الأمور أن توقيع اتفاق استوكهولم جاء بضغط من علي محسن والمقدشي الذين فضلا ومعهما كل الطاقم الشمالي أن تبقى الحديدة بأيدي شقيقهم الحوثي (الشمالي) على أن تسلم لأيدي الجنوبيين وزملائهم من أبناء تهامة الأبطال.

لقد تعرض الجنوبيون للدغ في كثير من المرات من نفس جحر "الشراكة الوطنية المزعومة" منذ مايو 1990م، وكانت كل لدغة أشد حرقةً من سابقتها، ويبدو أن لعنة الشراكة هذه ستظل تلاحقنا إلى يوم يأخذ الله الأرض ومن عليها، ما لم تتعلم القيادات الجنوبية فنون التشبث بحق شعبها، وإعادة بناء الشراكات (إذا كان لا بد من شراكة أصلاً) بما يخدم مصالح الجنوب والجنوبيين.

حينما وُقِّع اتفاق الرياض (نوفمبر 2019م) اعتقد الجنوبيون (مواطنون وسياسيون) أن أزمة الخدمات وحرب التجويع قد ولى زمانها وأن الموظفين والمتقاعدين سيستلمون مرتباتهم في الشهر التالي، بموجب نص الاتفاق، وأن القوات الشمالية المنتشرة في محافظات الجنوب بلا أي وظيفة سوى حراسة مصالح اللصوص وتنشئة ورعاية المنظمات الإرهابية، ستعود إلى الجبهات لدحر الحوثي واستعادة صنعاء من أيديهم، وكانت لدغة اتفاق الرياض واحدة من أقسى اللدغات التي تعرض لها الجنوبيون وأشدها حرقةً، أقسى من الكثير من سابقاتها، فلم يجنِ الجنوبيون من ثمار هذا الاتفاق سوى المزيد من حرب الخدمات والتجويع والعبث بالموارد، وفوق هذا تمكن معين عبد لملك من توطين قرابة خمسة ملايين نازح من أبنا المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحوثي ومن بينهم المخبرون والجواسيس والمقاتلون واللصوص ومعهم بعض المتسولين والعاطلين عن العمل وعلى رأسهم جميعاً النازحون السياسيون الذين يديرون أرض وشعب الجنوب غصباً عن رغبة أبنائه.

ولم تكن لدغة مخرجات مشاورات الرياض بأفضل من سابقاتها، بل ربما هي الأقسى والأشد حرقةً، فقد وُرِّطَت القيادة الجنوبية في شراكة أكثر زيفاً من شراكة 1990م المفخخة، ومٌكِّنت قوى 1994م من العودة إلى الجنوب والتحكم بحياة أبنائه بعد أن خرجت إما مهزومةً بالحرب أو هاربةً من مصير زعيمها المعروف، كما أزاحت تلك الشراكة القضية الجنوبية إلى مؤخرة جدول اهتمامات جميع الشركاء اليمنيين والإقليميين والدوليين، وصار من يتحدث عن القضية الجنوبية أشبه بمن يرتكب معصية يستحق الرجم والتعزير عقاباً.

*  *   * 

الحكام الشماليون (النازحون والمقيمون) لا يتذكرون الجنوب والجنوبيين إلا في أوقات الشدة، ونتذكر جميعا اللعنات التي ظل إعلامهم يصبها على قوات العمالقة الجنوبية، وحينما احتاجوا لها لتحرير مديريات بيحان الثلاث التي سلمتها قواتهم للحوثيون لم ينفعهم إلا قوات العمالقة التي حررت مديريات بيحان وفوقها مديرية من مأرب مجاناً كجائزة تشجيعية للمستهلك الكسول، واليوم وحينما استشعروا (أو ظنوا) بأن أَجَل الحوثيين قد اقترب تذكروا أن هناك قادة ومقاتلين جنوبيين أفذاذاً ينبغي توظيفهم في مواجهة الحوثي لاستعادة ميناء الحديدة وهم الذين أجبروا المقاومة على الانسحاب من على بعد كيلو مترات منه في العام 2018م، لكن ما هي المكافأة هذه المرة؟ هذا السؤال الذي ينبغي أن تتوفر الإجابة عليه عند المفاوض الجنوبي، والذي عليه أن يتحسس آثار اللدغات الماضية التي لم تبرح تكوي بسمومها المواطن الجنوبي منذ أكثر من ثلاثة عقود.

*   *    *

وخلاصة القول:

حتى لا يلدغ الجنوبيون من نفس الجُحْرِ للمرة العاشرة (وربما العشرين) عليهم إعادة تقييم الشراكة القائمة مع تحالف 1994م وماذا حققت للجنوب من عائدات غير الإفقار والتجويع والحصار والعبث بالثروات ودفع البلاد إلى حافة الهاوية.

وبصراحة أقول، وقد يختلف معي كثيرون، نحن ليست لنا مشكلة مع الحوثيين إذا ما توقفوا عن قصف موانئنا ومدننا والاعتداء على مناطقنا المحاذية لمناطق سيطرتهم ولسنا مجبرين على مقاتلتهم لمجرد أننا نختلف معهم في المذهب والعقيدة والنظريات السياسية إذا ما كفوا عن إيذائهم لنا ولتطلعاتنا المستقبلية في إنصاف شعبنا واختيار طريقنا المستقل الخالي من الوصاية والتبعية والخداع، كما فعل ويفعل معنا شركاء 1994م.

وبالعكس، كنت أنوي دعوة المجلس الانتقالي الجنوبي إلى فتح بوابة للحوار مع الحوثيين بشكل مباشر أو غير مباشر، أسوة بالأشقاء في المملكة العربية السعودية، إذا ما كان هذا الحوار سيحقق لنا مصلحتنا، لأن تجربتنا المرة مع شركاء الشرعية لم نجنِ منها سوى ويلات الحرب المعلنة وغير المعلنة، ولم نحصد منها سوى التراجع ببلادنا القهقرى مئات السنين بعد أن كانت دولة الجنوب تحتل المركز الأول في الكثير من المعايير العالمية بين دول الجوار وغير الجوار. 

ولنا وقفة قادمة مع هذه القضية.