في الأعوام الأخيرة من العقد الأول من الألفية الجارية، حينما كان مجلس النواب بصنعاء ما يزال "شرعياً" كانت الحكومة تقدم مشاريع موازناتها السنوية إلى البرلمان "الذي أصبح عجوزاً" وكان واضحاً من تجربة عدة سنوات أن مشروع الموازنة عبارة عن قص ولصق للموازنات السابقة المملوءة بالفساد والعبث واسترضاء مراكز النفوذ الإدارية والسياسية والعسكرية والقبلية وحتى "الدينية"، مع تغيير بعض الأرقام عشوائياً وأحياناً وفقاً لمتطلبات الفساد المستفحل والمتنامي كتنامي الفقر والجوع وعوامل الانهيار.
قلت لهم ذات مرة وبحضور كامل قوام الحكومة، ومنها الرئيس اليمني الحالي، د. رشاد العليمي:
- يا إخواني أجِّلوا فسادكم سنوات قليلة واعملوا على بناء اقتصاد وطني قوي قابل للنمو والازدهار وتحقيق تراكم مادي ورأسمالي وتحسن في الوضع المعيشي للمواطنين، وبعدها عودوا إلى فسادكم لتكسبوا اكثر، وتبقوا للشعب مقداراِ ولو ضئيلاً يشارككم فيه في الاستمتاع بخيرات بلده، أما إن تمارسو فسادكم الفاحش على حساب اقتصاد يوشك على الانهيار، فأنتم تخَسِّرون الشعب، وستخسرون أنتم .
رد عليَّ بعض الزملاء من حزب السلطة:
لماذا أنت حاقد على "الوطن" إلى هذه الدرجة؟
الآن تبين من هو الحاقد ومن غير الحاقد على الوطن، وما هو المقصود بـ"الوطن"؟
إنهم كانوا يقصدون بـ"الوطن" ذواتهم وذوات ساداتهم.
* * *
اليوم لم يعد الفساد كما كان حينها.
لاااااا.
اليوم لم يعد كالأمس، وهذا ليس إشادةً بذاك الأمس الأغبر،
بل تأكيداً على أن فاسدي الأمس قد تناسلوا وصار لدينا اليوم حكامٌ نازحون يمارسون الفساد بدون وجود موارد، بل ينهبون الإعانات والهبات والمواد الإغاثية ومرتبات الموظفين، لا بل صار لدينا "ثوار" فاسدون، و"مناضلون" فاسدون، و"سياسيون" فاسدون يطالبون باستعادة دولة الجنوب الحرة والمستقلة.
لا عجب في كل هذا، ففساد الأمس كان في ظل دولة، أو لنقل "شبه دولة" تحرص على خلق حالة من التوازن بين الموارد الوطنية ونصيب الفساد والفاسدين منها، أما اليوم فالفساد في ظل الـ"لادولة"، فساد بلا "معايير" وبلا "ضوابط"، وهو فساد بجرف معه كل من لم يمر بمرحلة من التربية والتهذيب والتوطين القيمي والأخلاقي وكل من لا ضمير له ولا إحساس بالخجل والحياء من صناعة الموبقات.
* * *
وغدا سيدري الكون إنا ها هنا.
شعبٌ يقدِّس حقَّهُ ويمجِّدُ
شعبٌ تمرَّس في أُتونِ كفاحهِ
وأتى يصوغُ حياتَه ويخلِدُ.