قل ما جرت الإشارة إلى هذا الموضوع الحيوي المهم في إطار المجلس الانتقالي الجنوبي مع أننا في زمن ديموقراطي شئنا أم أبينا وقد ودعنا زمن الأنظمة الشمولية بعد أن عانينا منها في الجنوب وقد جنت حتى على أصحابها .
ففي إطار حكم الحزب الاشتراكي الذي أدار دولة الجنوب كانت هناك ديموقراطية نسبية وكان هناك مايعرف بالنقد والنقد الذاتي وكان هناك جمع بين المركزية والديمقراطية ، ولكن مع هذا فقد اتسمت تلك المرحلة بالشمولية لأسباب كثيرة تخص تلك المرحلة وظروفها التاريخية.
ولكننا في المجلس الانتقالي الجنوبي في مرحلة أخرى ثم ان المجلس الانتقالي الجنوبي ليس حزبا وانما هو كيان عام شعبي ونخبوي حامل قضية عادلة هي قضية شعب الجنوب فهو يمثل هدف شعب الجنوب الاستراتيجي حتى الذين يخالفونه فمن باب المسؤولية والواجب يجب أن يمثلهم ويرعى مصالحهم الاقتصادية والاجتماعية .
ولا نقول إن الانتقالي لا يتمتع بالديمقراطية الداخلة ولكننا سوف نتوقف أمام هذه المسألة ، فالمجلس الانتقالي كما قلت ليس حزبا وليس نخبة ولكنه يتكون من مؤسسات مختلفة بعضها تدخل في مجال حكومي واداري عام وهناك مؤسسات تدخل في الهيكل الداخلي للمجلس مثل مجلس المستشارين والجمعية الوطنية والأمانة العامة والهيئات المساعدة والقيادات المحلية في المحافظات والمديريات وغير ذلك وكل هذه المؤسسات مثلما هي متعددة بشكلها فيجب أن تكون متعددة ومتنوعة في مهامها واصواتها فهي ليست نسخا من بعضها اي أن الانتقالي ليس صوتا واحدا مكرورا وشموليا ورتيبا ولكنه مجموعة اصوات متنوعة ومتعددة ومتكاملة .
فعلى سبيل المثال الجمعية الوطنية فإن أعضاؤها يمثلون الشعب وسقفهم مرتفع في الطرح والنقد وتمثيل إرادة الشعب والمطالبة بحقوقه سواء امام الإقليم ام امام المجتمع الدولي او حتى امام قيادة الانتقالي نفسها ، فهم يستمدون هذا من الشعب نفسه ، صحيح أن المسألة لم تجر من خلال انتخابات وانه قد تم تعيينهم مركزيا ولكن هذا يعود إلى طبيعة المرحلة التي يمر بها الجنوب فهي مرحلة ثورة تحررية مع الشروع في بناء مؤسسات الدولة الجنوبية ، ولكن لابد من استشعار هذه المهمة وهي تمثيل الشعب وارادته وحقوقه ومطالبه ومنها حقه في التعبير السلمي عن مطالبه الملحة كما أن للحاضنة الشعبية للمجلس الانتقالي طريقتها وفق هذه الديمقراطية الداخلية فليست طرفا سلبيا يردد ما يملى عليه ولكن له دوره في التعبير والتغيير والنقد في سبيل انتصار الفضية وفي سبيل انتزاع حقوقه المختلفة.
إن صوت الجمعية الوطنية مثلا يختلف عن صوت الناطق الإعلامي الرسمي للانتقالي أو هيئة الإعلام أو غيرها من المؤسسات فالأصوات في إطار الانتقالي ينبغي أن تتعدد وأن تختلف، ولكنها لا تتناقض أو تتصارع وانما هي تتكامل وتتناغم .
نلاحظ أحيانا من داخل الانتقالي من ينتقد القيادة أو طبيعة السياسة في الانتقالي وهذا شيء طبيعي ، ولكن أحيانا بعض الجهات في الانتقالي أو الاشخاص يعتبون على هذا النقد واصحابه وتصنفهم تصنيفات اخرى تخرجهم من محيط الانتقالي وكأن الانتقالي هذا ليس إلا صوتا واحدا وحيدا شموليا مما يدفع هذه الاصوات الناقدة أحيانا إلى أن تلجأ إلى جهات اخرى خارج الانتقالي او أن يتم تصنيفها داخل الانتقالي بانها خارج إطاره وهذا خطر وخطأ ، مع أن الرئيس القائد عيدروس الزبيدي كما عرفناه لديه اريحية في تقبل النقد والرأي الاخر في إطار الانتقالي نفسه ، اي كلنا نختلف ونتفق في الاراء ولكن في دائرة الانتقالي نفسها
اي لا غنى لنا جميعا عن هذه الدائرة الواسعة مع ضرورة الثبات على الثوابت الوطنية الجنوبية.
يجب أن يتميز المجلس الانتقالي بالدينامكية والمرونة وبتعدد الاصوات وتكاملها أما وحدة الخطاب فلا تعني عدم التنوع والتعدد فيه وانما وحدة الخطاب تتجسد في المبادئ العامة والثوابت الوطنية والغايات المنشودة.
اذكر عندما كان يلتقي بنا الرئيس عيدروس الزبيدي نخبة من اكاديميين أو من المثقفين والادباء الجنوبيين فهناك يكون طرح قوي وناقد فنجد الرئيس يتفاعل مع هذا الطرح ويرد عليه أحياناً بكل ثقة وهدوء فهو يثق أن كل هذه الاصوات هي في إطار الانتقالي وهي مخلصه لمساره، لكن كان الذي يستفز الرئيس أحيانا هو أن ياتي احد الزملاء ويقول أنتم يا انتقالي كذا وكذا وانتم كذا ويجب يا انتقالي أن تكونوا كذا فيقاطعه الرئيس مضطرا ويقول: من نحن ومن انت؟ يعني عليك انت أن تخاطبنا من داخل الانتقالي وليس من خارجه واختلف معنا كما شئت لكن لا تتمترس انت بعيدا وتصنفنا نحن في جهة أخرى مخالفة وكل واحد يتمترس في مكان فهذا غير صحيح لأن هذه الكوارد كلها محسوبة على الانتقالي،
والانتقالي ليس الرئيس انما هو أنا وانت وهو وهي.. وهكذا .
الديمقراطية داخل الانتقالي ستخفف الهجمة التي تأتي من خارجه أو نقول من خصومه فبدلا أن ينتقدنا خصومنا وحتى خصومنا أحيانا يجب أن نستفيد من طرحهم هم صحيح يذكرون الحق ويريدون به الباطل لكن مع هذا ينبغي أن نستفيد من هذا الطرح مهما كان ونصحصح ونصحح في أمور جرى فيها خطأ أو خطل ولكن حين نجد طرحا ناقدا من داخلنا يكون افضل لانه سيكون طرحا للتصحيح ..طرحا للتقويم طرحا للإرشاد والنقد البناء والنصح بدلا أن نترك نقد أخطائنا للآخرين ولكن من غير خلافات حادة وصراعات أي لابد من ضبط العملية.
حتى المنابر الإعلامية للمجلس الآنتقالي ينبغي أن تتعدد وتتنوع وان يفتح بعضها هامشا جيدا للراي الآخر سواء من داخل المجلس أو من خارجه .
وهناك أيضا منظمات مجتمع مدني جنوبية تحمل قضية شعب الجنوب من زواياها المختلفة ..هناك نقابات ومنظمات مدنية ومهنية وهذه لا تتدخل بالسياسة بشكل مباشر وفج ولكن تخدم القضية من الجوانب التي تمثلها مثل نقابة الصحافيين الجنوبيين واتحاد ادباء كتاب الجنوب واتحاد نساء الجنوب ونقابة المعلمين الجنوبيين والفلاحين والصيادين وغيرها هذه المكونات المدنية تدور في فلك قضية شعب الجنوب رغم ان خطابهم ليس سياسيا مباشراً فلهم طريقتهم في التعبير وتوصيل الرأي وخدمة الثقافة والقضية ، المسألة ليست مسألة سياسة ، فقط فهذه أيضا روافد من روافد شعبنا وروافد القضية فهي تدور مع الانتقالي في هذا الفلك المشترك لكن المسألة ليست تلقين ووحدة خطاب بشكل مباشر وحدة الخطاب لا تعني عدم تنوعه وعدم تكامله فهناك خطاب رسمي واضح وهناك خطابات أخرى ثقافية ونقابية وغيرها حتى في علاقتها مع الانتقالي ليست علاقة مباشرة وتبعية كاملة لأن المسألة ستغدو اتكالية وبحثا عن ميزانيات وعن اعتماد فعاليات وهذا الشيء أرهق الانتقالي نفسه وايضا جعل هذا المنظمات تعتمد كليا على الانتقالي وصارت تتماهى في خطابها مع خطابات الانتقالي السياسية بشكل مباشر وهذا ليس المطلوب .
وقبل ذلك وبعده فعلى هذه المنظمات والاتحادات أن تمارس الديمقراطية داخلها ولا تكون ملكية أكثر من الملك
فالضيق الديمقراطي كثيرا ما وجدناه في قواعد الآنتقالي وفي المنظمات الجنوبية التي دعم الانتقالي قيامها أكثر مما هو موجود في هيئات الآنتقالي العليا.
إن النزعة الشمولية والتربص بالرأي الاخر والمحاسبة على كل كلمة صغيرة او كبيرة والاتهام بالخيانة الوطنية بسبب راي هذا جعلنا نخسر في السبعينيات والثمانينيات طابورا طويلاً من المناضلين مثل قحطان وسالمين ومطيع والقائمة تطول هذه قيادات بارز فما بالك بالآخرين فكلمة واحدة ممكن أن تؤدي بك إلى السجن أو إلى ماهو ابعد من السجن في ظل ضيق الديموقراطية. كان الناس احيانا يعبرون بتلقائية وكان يتم تأويل هذا الكلام العادي وتكبيره وكان هناك من يتربص بهولاء ويجعل من هذه الآراء ذريعة إلى اقصائهم وأحيانا إلى تصفيتهم .
الذي يتضمنه الخطاب الرسمي في أي جهة ليس دائماً هو الصائب فقد يقابل نقداً في إطار الجهة نفسها وذلك الرأي الاخر ليس دائما هو الصواب فالأمور نسبية والبعض يقع في اصدار بعض الاراء من غير ترو قد يكون فيها خطل أو تسرع تحت ظروف وضغوط معينة فهذا لايعني أنه خرج من الدائرة فمن ساعة إلى ساعه يختلف المزاج الانساني ومن يوم الى يوم.. نحن بشر واللسان مركبة على بحر كما يقول المثل فلا يمكن يكون هذا الرأي وهذه الكلمة هي الفيصل لأن صاحب هذا الرأي نفسه هو بداخله أيضاً هذه الاصوات المتعددة فقد يعدل من نفسه ويعود عن هذا الرأي غير الصائب المبالغ فيه في وقت آخر فالترفق مع مثل هذه الآراء والتعامل معها هو الذي سيعدلها تلقائيا وليس القمع أو الكبح أو التخوين واطلاق التهم الظالمة كما قال المتنبي يخاطب سيف الدولة الذي يمثل السلطة :
ترفق أيها المولى عليهم
فان الرفق بالجاني عتاب
مع أن الراي والرأي الاخر ليس جناية.
عموما فليس هذا المقال سوى إثارة للموضوع واشارة إليه فنحن نحتاج إلى ندوة أو ورشة عمل علمية للوقوف أمام موضوع الديمقراطية
داخل الانتقالي أو في تعامله مع من هم خارجه .
وكل عام وانتم بخير
د عبده يحيى الدباني