الإفراط في التدين الإسلامي، قبل أن يكون انتماء أو عقيدة معينة، هو مسؤولية أمام الناس، لأن ما لحق بالمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، يتحمل مسؤوليته بعض الفرق والمدارس التي أوغلت إما في التطرف أو الزيف.
*- شبوة برس - العرب
ابتليت المدارس الإسلامية بأشكال بشرية غريبة الأطوار، فرغم الزعم باستلهام نمط حياتهم ومعيشتهم من الحقبة المثالية للعصر الإسلامي، إلا أن ما يظهرونه عكس ما يخفونه، إلى درجة نبذ ما يرونه سفورا وتبرجا، لكن لا ضير لدى هؤلاء إذا امتهنوا حرفة بيع الملابس الداخلية، النسائية وليس الرجالية، وكان أغلب زبائنهم من النساء.
وبعيدا عن النقاشات الدينية التي لم تعد تجد نفعا داخل المجتمعات العربية، بما أن كل واحد يغني على ليلاه ولا أحد مستعد للتنازل عنها، فإن ظاهرة التباين بين الشكل والمضمون باتت سمة طاغية حتى لدى الشعوب التي تدعي الثبات والصفاء في أخلاقها ومعاملاتها.
الحديث عن النفاق، والاعتراف ببعض الحقائق الاجتماعية، ليس وليد اليوم فقد تناولته رسائل سماوية وأديان مختلفة، ولأن المجتمعات تبحث دائما عن القدوة التي تخط لها مسالك السير، فإن المتدثر برداء الدين يقع في المقام الأول، ولذلك قد تكون ردود الفعل متباينة على سلوك واحد صدر من فردين، وتتم محاسبة المتدين بشكل أكبر وصارم مقارنة بفرد آخر، لأن الدين هو الأقرب للمثالية بالنسبة لهم.
الإفراط في التدين الإسلامي، قبل أن يكون انتماء أو عقيدة معينة، هو مسؤولية أمام الناس، لأن ما لحق بالمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، يتحمل مسؤوليته بعض الفرق والمدارس التي أوغلت إما في التطرف أو الزيف، إلى درجة النفور، من طرف ابن الدين قبل الآخرين.
أن تبنى فضاءات وأنسجة ومعاملات بين أفراد المذهب الواحد من أجل التميز عن الآخرين فذلك وجه من أوجه الحريات المباحة، أما أن يتحول الأمر إلى استغباء للآخرين باسم الدين، فذلك تنفير منه، كما نفر داعش والقاعدة وبوكو حرام والأخريات الناس منه، والفارق الوحيد بينهما هو العنف والنعومة.
أثيرت في أوروبا والعالم الغربي عموما، قضية الزي الإسلامي، كالحجاب والجلباب والبوركيني.. وغيرها، وفي كل مرة تكون ردود الفعل قوية ومهاجمة بدعوى المؤامرة على الدين الإسلامي، وتشجيع السفور والعري وأشكال الإثارة الغريزية، لكن لا ضير أن يكون من بين هؤلاء من يحترف بيع الألبسة الداخلية النسائية في حيه ومدينته، ومن يلطف الجو يضع على مدخل متجره يافطة “بيع الألبسة الشرعية”، بينما كل زبائنه من النسوة وفي أحسن الأحوال فرد يرافقها.
هذا شكل من أشكال النفاق الاجتماعي الذي ينبذه الدين نفسه، وهو أحد أوجه الانزلاق الاجتماعي إلى التستر بأي شيء من أجل استغفال الناس، حتى ولو كان على حساب الرسالة الحقيقية، والخاسر هنا هو الدين والمجتمع معا، لأن جرة الثقة انكسرت ولا مجال لترميم شظاياها، حتى صار “أخينا” كما يطلق عليه في الجزائر محل تحذير لأنه يقول ما لا يفعل ويفعل ما لا يقول.
في واقع الحال، الأمر لا ينطبق على “أخينا” فقط، بل ينطبق على فئات كثيرة، لكنه لأنه ارتدى ثوب الدين جاء مقته أشد وأكبر، وسبق بأفعاله رجل السياسة الذي ظل مرادفا للنفاق والكذب، لكن لأنه تلك هي سريرته في نظر الشارع، فإنه لا يلام ولا ينتقد كما ينبذ من أطلق العنان للحية ونصف القميص والسواك، كحيلة لخداع الناس.
المجتمعات العربية جبلت على سلم قيم معينة، ويبقى الدين جزءا منها، ولذلك فهي متمسكة به بطريقة صائبة أو خاطئة، لكن مثل هذه الممارسات والسلوكات تدعو إلى حماية الدين نفسه من “أخينا”، كما يجب أن يحمى من داعش والقاعدة وأخواتها، بما أنهم يشتركون في صفة التنفير منه.
*- صابر بليدي.. صحافي جزائري