كوكبة من السادة العلويين الحضارم في اندونيسيا مطلع القرن العشرين
بدون غزو مسلح واستباحة دور وقصور وسبي عذارى وسيدات متزوجات وغلمان ورجال وبيعهم في سوق النخاسة (عبيد مملوكين) باسم الإسلام.. فعل أتباع المدرسة الإسلامية الحضرمية عكس ذلك بل التزموا بالدعوة إلى الله بالتي هي أحسن وبالصدق واللين والأمانة".
لم يحمل دعاة المدرسة الصوفية الحضرمية السيوف لقتال الشعوب الأخرى لإجبارها على اعتناق الإسلام بل حملوا أخلاق وسلوك عنوانه قولآ وعملآ "الصدق والأمانة في العمل مارسوه على أنفسهم قبل غيرهم" وهو سلوك انساني رفيع تشبعوا بها من سادتهم الأفاضل مؤسسي المدرسة الحضرمية الوسطية التي لا تحتكر الجنة لأتباعها ولا تخرج مخالف من دين الإسلام وكان سلاحهم المادي عصى ترحال يدفعون بها الأفاعي والوحوش والعقارب في غابات بلاد جزر الملايو وفي جنوب الصين وتايلاند والفلبين وكان التأثير والنجاح الأبرز في أرخبيل جزر أندونيسيا وماليزيا ومئات ملايين المسلمين الطيبين المسالمين يستحال اتهام أحدهم بالنفاق والتلون خير دليل على نجاح وفلاح المدرسة الحضرمية خفيضة الصوت عديمة الضجيج".
يذّكر محرر “شبوة برس”:
أيضا أن من أفضال المدرسة الحضرمية الصوفية وسادتها الأخيار أنهم لهم الفضل بعد الله تعالى وتوفيقه في دخول الإسلام دون قتال وسبي بل بنفس ما تم في شرق آسيا وتم ذلك في الهند وفي شرق أفريقيا مثل بلاد الصومال وكينيا وتنزانيا وأوغندا وجزر القمر وموريشوس ووصلوا إلى أواسط أدغال أفريقيا بالصبر وجهاد النفس رغم الأخطار والمشاق في مواجهة الأنسان البدائي والحيوان المفترس والزواحف".
محرر "شبوة برس" أطلع في موقع "حفريات على موضوع عنوانه "أندونيسيا والأندلس: إسلام السيف وإسلام الأخلاق" للكاتب الأردني "محمد الزبيدي" ونعيد نشر نصه لأهميته:
"دخلنا الأندلس بالسيف، فضاعت منا بالسيف، ودخلنا أندونيسيا بالأخلاق الحميدة، فبقيت مسلمة منذ القرن الثالث الهجري"، هذه كلمات في منتهى الحكمة، قالها يوماً -في لقاء تلفزيوني- المفكّر والشاعر السعودي، علي الهويريني، وقد يكون كلام الهويريني صحيحاً، إلى حدّ بعيد هنا؛ لأنّ استخدام القوة والعنف في إكراه الناس على اعتناق الدين، يقود أحياناً كثيرة إلى مجتمع النفاق والرياء، ثمّ يؤدي إلى ارتداد عامة من أسلموا عن دينهم، بعد زوال سطوة السيف والبطش.
نشر الإسلام والهداية بين أمم الأرض لا يحتاج إلى العنف والقسوة، وإكراه الناس على الخضوع لسلطة المسلمين
ونستخلص من تجربة إسلام سكان الأرخبيل الأندونيسي السلمية، التي قام بها أهل الحكمة اليمانية من حضرموت، دروساً وعبراً لا تحصى؛ بل وتحتاج تلك التجربة المذهلة إلى التأمل والدراسة منا جميعاً، وأيضاً من كلّ الشباب المتطرف الذين قست قلوبهم، فهي كالحجارة أو أشدّ قسوة، ومن كل الذين يصرون على استخدام العنف والتفجير، والشاحنات المندفعة في شوارع المدن، تقتيلاً وتجريحاً، لإكراه الناس على حبّ الإسلام، والإيمان به، والانضواء تحت راية تنظيماتهم.
وقصة الجهاد بلا سيف هذه، بدأت عندما مخرت مراكب العرب "الحضارمة" عباب المحيط الهندي شرقاً، في القرن الثالث الهجري، طلباً للرزق والخير، وهي تحمل قلوباً صادقة مُلئت حباً، ونزاهة، وسماحة، ووسطية. ولم يحمل ربانها أو ملاحيها السيوف، أو الخناجر، أو الحراب، لأنّ ما يحدوهم كان فقط قول النبي محمد صلى الله عليه وسلم: "إنّ المؤمن سمح إذا باع، وسمح إذا اشترى، وسمح إذا اقتضى".
مسلمون في جزر سومطرة
وعندما وطئت أقدام البحارة من التجار العرب الحضارم، قبل أزيد من ألف عام، أرض جزر سومطرة، وجاوا الأندونيسيتين، مدوا أيديهم الدافئة مصافحين أهل تلك البلاد البعيدة، وبدأوا بالسلام عليهم، وأتبعوا ذلك بالكلمات الطيبة، وردّ أهل تلك الجزر السلام بالسلام وبكلمات طيبة أيضاً، وقد أفصح بحارة الخير هؤلاء عن سبب قدومهم، وهو أنّهم ليسوا غزاة أو محاربين، إنّما جاؤوا ليشتروا من ثمار ومنتجات تلك البلاد، ويدفعوا إلى أهلها أثمان ما سوف يأخذونه من بضائع.
لقد كانت أمانة وصدق، ووضوح تعاملات هؤلاء التجار حافزاً ودافعاً للسكان المحليين وقادتهم، للسؤال عن الباعث وراء تميز هؤلاء التجار بمكارم الأخلاق، ونقاء السريرة، والابتعاد عن الرذائل عامة، والغش خاصة، ولم يكن الجواب قولاً، بل بالقدوة الحسنة، والدافع وراء تصرفاتهم الإنسانية الصحيحة تلك؛ هو الامتثال لأوامر الله ورسوله الحاثة على القسط والعدل والصدق، فالغشّ غير مقبول في أيّ تعامل أو معاملة.
الإحسان والشيم النبيلة، لا السيف والمدفع، في تعاملنا مع الأمم غير المسلمة، تفضي دائماً إلى أنصع النتائج
وكان لأمانة، واستقامة، وإنصاف العرب الحضارم في تعاملهم مع أهل أندونيسيا وماليزيا، أثر عظيم في تحبيب أهالي الجزر -قبل قادتهم- بدين الإسلام، ثم دخولهم فيه أفواجاً (طواعية).
ولقد أقام العرب الحضارم في أندونيسيا إقامة دائمة، واندمجوا في الحياة والحضارة والثقافة والاقتصاد والسياسة الأندونيسية، وتزوجوا من أندونيسيات، وأنجبوا أجيالاً بملامح عربية وأندونيسية. ولم يستعلِ العرب على الناس هناك، ولم يطلبوا السيادة والزعامة على تلك الأقوام؛ بل انحازوا إلى تطلعات الشعب الأندونيسي دائماً، وشاركوا في معارك التحرير الأندونيسية للخلاص من الاحتلال الهولندي. وبذلك أصبحوا مواطنين كاملي المواطنة، وأضافوا ثقافتهم إلى ثقافة المجتمع المحلي؛ حيث نجد أنّ هناك الكثير من الكلمات العربية في اللغة الأندونيسية. كما أنّهم أنشأوا المدارس والجامعات، والمطابع، وأصدروا كثيراً من الصحف، وألّفوا كتباً عديدة تبحث في الثقافة العربية الإسلامية.
أهل حضرموت واستقلال أندونيسيا
ولقد كان للعرب من أهل حضرموت دورٌ كبيرٌ في سياسة أندونيسيا واستقلالها، إلى درجة أنّ الزعيم الوطني، أحمد سوكارنو، فضّل أن يلقي خطاب الاستقلال من قصر عائلة "آل مرتع" الحضرمية العربية الثرية، وكان "سوكارنو" قد أودع، قبل أسره من قبل الهولنديين أيام حرب التحرير، علم النضال الوطني عند زعيم أندونيسي عربي من عائلة "العمودي"، وهذا إن دلّ على شيء، فإنّه يدلّ على الثقة الكبيرة التي يوليها الأندونيسيون للعرب، وكذلك على صدق ولاء العرب للأرض الأندونيسية وشعبها وقيادتها.
المسلمين الأندونيسيين والماليزيين، يعدّون من أبعد الأقوام المسلمة، في هذا العصر، عن الصراعات الطائفية والمذهبية
وخلافاً لقبائل عربية كثيرة، اندفعت مع زعمائها، في صدر الإسلام، إلى أعماق آسيا وأوروبا وشمال إفريقيا، بسيوف مسلولة وحراب مشهرة وخناجر لامعة، متذرّعين بنشر الدين الجديد، وإخراج الناس من الظلمات، لكنّ غاية الكثير منهم كانت طلب الغنائم، والأراضي، والثروات، والسبايا، والإماء الحسان، وزيادة نفوذ خلفائهم وأمرائهم. نعم، خلافاً لذلك، انطلق العرب الحضارم إلى الشرق، وديدنهم دماثة الخلق، وثقافة اللين والتسامح، والعادات الحميدة، والقيم السامية، فآمن عشرات الملايين من الناس هناك بالإسلام ديناً، وأصبحوا من الموحّدين، وقد بلغ عدد أحفاد تلك الفئة المؤمنة الآن، قرابة 237 مليوناً من سكان أندونيسيا، و30 مليوناً في ماليزيا وبروناي؛ بل وأسلم كثيرون من سنغافورة، وتايلاند، وملاوي، وبورما، والهند، وزنجبار، والصومال، وأثيوبيا، وجزر القمر، والفلبين، بعد أن تعاملوا بالبيع والشراء مع تجارٍ مسلمين صادقين من حضرموت.
إنّ جهاداً بلا سيف أو قوس أو قنبلة أو رشاش، قام به قوم منا، أعني عرب حضرموت، كان سبباً في إيمان أكثر من ربع مليار إنسان طوعاً في الديار الأندونيسية وما حولها. فحريٌّ بعلمائنا وفقهائنا وقادتنا أن يتدارسوا تلك الحالة، ويراجعوا جلّ كتب الفقه والشريعة، ولتعمل لجانٌ من المتخصصين على تنظيفها وتنقيتها من جميع الآراء القائلة؛ إنّ نشر الإسلام والهداية بين أمم الأرض يحتاج إلى العنف والقسوة، وإكراه الناس على الخضوع لسلطة المسلمين.
هل نلقي سيوفنا ورماحنا جانباً ونقبل على التبشير بالإسلام بالكلمة الصادقة، والمعاملة الحسنة، والأخلاق الحميدة؟
تعلّمنا تجربة العرب الحضارم دروساً كثيرة، منها؛ نتعلّم أنّ العلاقات الدولية والسياسية والتجارية، التي تمتاز بالصدق، والنزاهة، ونشر الخير، وحسن المعاملة، هي الطريقة الصحيحة، بل والأمثل، في نشر الإسلام السمح، والدعوة إلى الإيمان والتوحيد. وكذلك ترشدنا تلك التجربة المشرقة، إلى أنّ الإحسان والشيم النبيلة، لا السيف والمدفع، في تعاملنا مع الأمم غير المسلمة، تفضي دائماً إلى أبهى النتائج وأنصعها، وتترك أثراً طيباً يدوم أبد الدهر.
عدد الذين آمنوا على يد التجار الحضارم
ونعود هنا، لنؤكّد صحة ما ذهب إليه "الهويريني"؛ حيث إنّ جيوش الخلافة التي اندفعت في الديار الإسبانية في عهد الأمويين، وفي شرق أوروبا في عهد العثمانيين، قد طردتها شعوب تلك البلاد شرّ طردة، ولم يبقَ على الإسلام في تلك الأراضي إلّا النزر القليل من الناس. وفي حين، يرى القارئ للتاريخ أنّ عدد الذين آمنوا على يد التجار الحضارم، لصدقهم ونزاهتهم وحسن أخلاقهم، بلغ مئات الملايين، وهم من أنقى شعوب المسلمين فطرة، وأكثرهم فهماً لسماحة الإسلام ووسطيته؛ بل إنّ المسلمين الأندونيسيين والماليزيين، يعدّون من أبعد الأقوام المسلمة، في هذا العصر، عن الصراعات الطائفية والمذهبية، التي تعصف بكل الديار المسلمة التي فتحت عنوة بحدّ السيف.
والأسئلة التي قد تجول في خاطري، وفي خاطرك، هنا: هل نلتمس العبر ونفهم الدروس المغايرة تماماً لمعنى الجهاد عند كثير من العرب والمسلمين، التي قدّمها لنا العرب الحضارم في أسلمة أندونيسيا بالإحسان؟ وهل نلقي سيوفنا ورماحنا جانباً ونقبل على التبشير بالإسلام بالكلمة الصادقة، والمعاملة الحسنة، والأخلاق الحميدة؟.
*- صورة نادرة في اندونيسيا تجمع عدد من العلماء والدعاة الحضارم وهم:
الحبيب علي بن حسين العطاس
الحبيب سالم بن احمد بن جندان
الحبيب علوي بن طاهر الحداد
الحبيب علي بن عبدالرحمن الحبشي
*- صورة نادرة لكوكبة من نجوم الدعوة إلى الأسلام من السادة الحضارم سنغفافورة مطلع القرن العشرين
*- شبوة برس – متابعات تاريخية وثقافية