يستحسن بنا في البدء إن نقدم مفهوما محددا للإرهاب؛ الإرهاب: مجموعة من الاعتداءات العنيفة التي تسفر عن نتائج قتل وجرح وتدمير، وتستهدف إقلاق السكينة العامة وترويع الآمنين، منطلقة في ذلك من دوافع سياسية ودينية.
الإرهاب وباء خطير وداء عضال، يصيب كثير من المجتمعات خصوصا تلك التي تعاني من مشاكل وحالة عدم استقرار سياسي، ومنها بلدنا الجنوبي الذي يُعد في طليعة البلدان التي عانت من ويلات الإرهاب منذ مدة طويلة، وتحديدا ما بعد إبرام اتفاقية الوحدة المشؤومة مع الشمال، البلد الذي أضحت أجوائه السياسية مهيأة لنمو وتكاثر شأفة الإرهاب، وانتقل ذلك الداء بذلك الفعل السياسي المتسرع إلى الجنوب متسببا في مقتل آلاف المواطنين من بينهم نساء وأطفال، وتدمير للممتلكات العامة والخاصة، وإقلاق للسكينة، وترويع الآمنين، تاركا أفضع الأثر على مناخات الاستثمار الداخلي والخارجي، التي تضررت بفعل الإرهاب، وانعكاس كل ذلك على الاقتصاد الوطني، وعلى صورة البلد التي تشوهت هي الأخرى.
ما منبع الإرهاب إذن؟. وماهي الأطراف والجهات التي تتبناه ؟، وكيف يحصل علئ مصادر تمويل نشاطاته؟. وما نوع الممارسات الممكنة لمحاصرته والقضاء عليه؟..
الإرهاب ظاهرة عابرة للحدود، ولا ترتبط بفكر ديني أو سياسي بعينه، ولا يمكن ربطها بالدين الإسلامي السمح، وفي حالتنا الراهنة نلحظ ارتباط وثيق للإرهاب الذي عانى منه شعب الجنوب بجماعات الإسلام السياسي، وتحديدا جماعة الإخوان المسلمين، التي ساهمت ظروف عالمية معينة في حقبة الحرب الباردة، في توسع نشاطاتها السياسية والدينية، وزيادة أعداد أتباعها بفعل التمويل السخي الذي كانت تتلقاه، والتسهيلات الممنوحة لقياداته وانصاره، بالتحرك والدعوة للفكر المتطرف، إلى أن صار بذلك تنظيما دوليا، له فروع وأتباع في معظم الدول الإسلامية.
بعد اندماج جمهورية اليمن الديمقراطية مع الجمهورية العربية اليمنية في العام 1990م، كان من بين القوى التي تهيمن على القرار السياسي في صنعاء (حزب الإصلاح) فرع الإخوان المسلمين في اليمن، فكانت نظرة هذا الحزب للجنوب أكثر براجماتية، لا تقر بحقوق أبناء الجنوب السياسية والاقتصادية، كشريك أساسي في الدولة الجديدة، علاوة عن عدم ميل هذا الحزب المتطرف للقبول بالنظام الجنوبي والتعايش معه كونه نظاما ليبراليا، فسعئ إلى تسميم أجواء الود والوفاق السياسي، عاملا على نشر جماعاته المتشددة، التي استهدفت القيادات السياسية الجنوبية في صنعاء العاصمة الجديدة، ونفذت عمليات اغتيال مخططة ومدروسة، حصدت أرواح قيادات عديدة ورفيعة، وتصاعدت أعمال الإرهاب برغم جولات المفاوضات التي جرت بشأنها، أمام إصرار وصلف هذه الجماعة.
تسارعت الأحداث وأفضت إلى اندلاع حرب صيف 1994م، التي قادتها قوى الشمال بهدف السيطرة على الجنوب، واحتوائه سياسيا واقتصاديا، ولعبت الجماعات الإرهابية دورا مهما في هذه الحرب، مقترفة جرائم وانتهاكات خطيرة بحق الجنوب أرض وإنسان وموارد.
بوقوع الجنوب تحت الاحتلال اليمني، أخذت القوئ اليمنية ومنها حزب الإصلاح على ترسيخ أقدامها، ونشر فكرها المتطرف في أوساط الجنوبيين، واستقطاب المزيد من الشباب إلى صفوف تنظيمها السياسي، عاملة على إنشاء المزيد من المدارس والمعاهد العلمية الموازية للتعليم الحكومي العام، بهدف خلق حاضنة لها، وتكريس فكرها المتطرف والغريب على شعبنا الجنوبي المسالم، وخلق فجوة داخل الشارع الجنوبي، وصرف محور اهتمام الشارع بعيدا عن قضيته الرئيسية.
ترك التطرف الذي خلفه الفكر الإخواني في الداخل الجنوبي تبعات خطيرة، حيث ساهم في انتشار التكفير وتعاظم مشاعر الكراهية بين السكان، وانتشار موجات العنف، من تفجيرات وأعمال انتحارية، وتدمير للآثار.
لم يقف تنظيم الإخوان عند حد معين، بل عمل التنظيم على إدامة مشروعه التخريبي في الجنوب بالتعاون مع بقية قوى صنعاء، وحشد عناصره ومجاميعه الإرهابية من مختلف محافظات الشمال، بعد تدريبها وتسليحها لتتم عملية نقلها لمحافظات الجنوب، حيث ارتكبت فضائع ومجازر بحق المدنيين وجنود الأمن والجيش، بعد تسليمها مناطق واسعة في أكثر من محافظة جنوبية لتقيم عليها مشروعها الظلامي، فهب الجنوبيون للتصدي لهذه المشاريع بإمكانياتهم الضعيفة، مقدمين المئات من الشهداء والجرحى.
لم تتوقف الحرب الشعواء لحزب الإصلاح على الجنوب، بل تواصلت تباعا مع تحرير أبناء الجنوب لأرضهم بعد أحداث 2015م، حيث تخوض القوات المسلحة الجنوبية اليوم حربا متواصلة منذ سنوات، مع فلول الإرهاب المنتشرة في بعض المناطق شرق البلاد.
تأتي الجهود الوطنية التي يضطلع بها أبناء الجنوب في محاربة الإرهاب، ضمن نهج شمولي يستند إلى أبعاد تشريعية وفكرية وأمنية وعسكرية، انطلاقا من تعاليم الدين الإسلامي الحنيف، ومن التكوين الثقافي للشعب الجنوبي الذي يحترم الاعتدال ويرفض التطرف واستخدام الدين والأيديولوجيات لبثّ العنف والكراهية والتحريض على ممارسة الإرهاب، كما يتعاون الجنوبيون مع المجتمع الإقليمي لمواجهة الإرهاب، الذي لم يعد مجرّدَ تحدٍّ يواجه دولةً أو منطقةً أو قوى بعينِها، بل هو استهدافٌ يصل إلى درجةَ التهديد الوجودي ويطال الجميع، كما أن أكثر ضحايا الإرهاب هم من المسلمين أنفسهم، فهذا الوباء لا يميّز بين مذهب وأخر أو عرق وآخر، بل يسعى لتفتيت المجتمعات، بعد ان يجد له البيئة الحاضنة.
يسعى أبناء الجنوب وقواه السياسية إلى تعزيز المبادرات الإيجابية التي تهدف إلى دفع الحوار بين الأديان والمذاهب والحضارات، وتبيان الوجه الناصع والحقيقي للدين الإسلامي الحنيف ورسالته السمحة العظيمة، حيث تنطلق الرؤية الجنوبية في محاربة الإرهاب من كونه ظاهرة عابرة للآفاق، غير مقتصرة على دولة أو منطقة بعينها، ولا يمكن محاربته إلّا بتكثيف الجهود الإقليمية والدولية في مجال تبادل المعلومات والخبرات، واقامة المؤتمرات والندوات، وإبرام الاتفاقيات الثنائية، والتواصل مع القوى المعتدلة والبلدان الساعية في هذا الإطار، بغية التوصل إلى أفضل الممارسات الممكنة في سبيل كبح وتخليص البلدان من هذه الظاهرة الخطيرة.
*- وليد ناصر الماس