لماذا تخلّوا عن يمنهم السعيد واتجهوا جنوبآ.!!؟؟

2024-07-18 07:22

 

لماذا تخلوا عن الشمال واتجهوا جنوباً؟؟!!

قبل الخوض في مضمون السؤال – العنوان-  أشير إلى الملاحظات التالية:

١. إن الحديث هنا يدور عن النخبة (أو النُخَب) السياسية والعسكرية الشمالية التي تخلت عن الشمال وسلمته للحوثي دونما مواجهة وليس عن الشعب الشمالي المخذول دائماً من قبل حكامه وحتى من قبل المعارضين باسمه.

٢. أن هذا التناول ليس فيه استنقاصٌ أو تشفٍّ أو تهكمٌ على أحد، ولكنه استقراءٌ لحالةّ كرستها أحداثٌ شهدها وما يزال يشهدها القاصي والداني. 

٣. إن هذه المناقشة تنطلق من الإدراك العميق لمعاناة الشعبين الشقيقين في الشمال والجنوب على السواء، الشعبين الذين خذلتهما هذه النخبة مرتين، في الأولى خذلت الشعب الشمالي حينما سلمت مصيره للحوثي ومشروعه السلالي، ثم غادرت نافذةً بجلود قادتها لممارسة الخذلان - في المرة الثانية - مع الشعب الجنوبي الذي نجح قبل وصولها من دحر المشروع الانقلابي وتحالفه الشرير في أقل من مائة يوم- أقول جاءت هذه النُخَب جنوباً لتوزيع الخذلان بالتساوي بين الشعبين الشقيقين من منطلق إن الشعبين شعبٌ واحدٌ ولا يجوز التمييز بينهما.

 

وبالعودة إلى السؤال عنوان المقالة دعونا أيها القراء الكرام، نعود إلى مجموعة من المعطيات المنطقية التالية:

١. الحرب والانقلاب بدآ في الشمال حيث هناك أكثر من خمسة جيوش جرارة يستطيع كلٌ منها بمفرده التصدي للانقلاب وإلحاق الهزيمة النكراء بالتحالف الانقلابي المرفوض شمالاً وجنوباً.

٢. في الشمال أكثر من عشرين مليوناً من السكان، نصفهم من الرجال، ونصف هذا النصف مقاتلون ماهرون يجيدون استخدام السلاح، بل ولديهم من المهارة القتالية كالتي لدى أية قوة مسلحة رسمية.

٣. من بين هؤلاء أكثر من الثلثين هم ضد المشروع الحوثي، والمشروع الانقلابي بشكل عام، لأسباب عديدة يطول الخوض فيها، لكن أهمها الاختلاف العقائدي والمذهبي، وتعارض المصالح المادية والمعنوية، والولاء للأحزاب ، التي يفترض أنها ضد الحوثي وتحالفه الانقلابي، أما البقية من مختلف الأعمار ومن الجنسين فليسوا جميعهم مع المشروع الانقلابي ولا حتى متعاطفين معه  بأي حال من الأحوال.

وبعبارة أخرى إن هناك أكثر من أربعة ملايين مقاتل وسياسي من الأشقاء الشماليين هم ضد الانقلاب والتحالف الانقلابي.

هذا المنطق السليم والصحيح 100% يقتضي أن المشروع الانقلابي يفترض أنه سيفشل في الشمال منذ يومه الأول، وقد ينجح في الجنوب لبعض الوقت، بسبب التفاوت الديمغرافي، (قرابة ٦ ملايين نسمة مقابل قرابة ٢٥ مليوناً)، وبالتالي يفترض أن الشمال الذي هزم المشروع الحوثي والتحالف الانقلابي (افتراضياً) سيهُبُّ لنجدة الجنوب ونصرته بمجرد وصول القوات الانقلابية إلى مشارف التماس مع الأراضي الجنوبية وليس العكس،. . . ألسنا شعباً واحداً ومصيراً واحداً ومستقبلاً واحداً أم إن هذه الشعارات شديدة الجاذبية لا تمثل سوى أغاني موسمية قابلة للاستبدال بمجرد انقضاء موسم استهلاكها؟؟!!

 

فما الذي جرى في هذه الفرضية المنطقية السليمة جداً؟

لن يحتاج الباحث للغوص طويلاً في تدحرج عجلة الأحداث في الشمال حيث استحوذت الجماعة الحوثية وحلفاؤها على أكثر من عشر محافظات شمالية في أسابيع، وربما أقل من أيام الأسبوع الواحد لتدخل الأراضي الجنوبية حينما كانت النخب السياسية الشمالية تبحث عن ممرات للنفاذ بجلود قادتها، ولم تبدأ المقاومة إلا في الجنوب، مع عدم التنكر للمقاومة البطولية التي شهدتها بعض المناطق في عتمة بذمار وحجور بعمران، وبعدان بإب وبعض قبائل البيضاء ومأرب والجوف، لكنها كانت مقاومة مقطوعة الصلة ببعضها وليس لها قيادة مركزية وغرفة عمليات موحدة تجعل عملياتها متكاملة ومنسقة، وعموماً فقد لاقت نفس الخذلان من قبل القوى والقيادات السياسية والعسكرية اليمنية، التي اعتبرت كل قبيلة مسؤولة عن حماية (بلادها)، أما القوى السياسية فلا بلاد لها لتقاوم فيها وتدافع عنها.

ولن أتحدث عن "الجيش الوطني" الذي سلم المديريات والمحافظات بكاملها وبكل ما عليها من معسكرات ومخازن أسلحة بمختلف الأنواع والأحجام، بما فيها الطائرات والقاذفات بعيدة المدى، والذخائر المتعددة ومستودعات التموين والتغذية، وكلما يكتنف هذه التداعيات من تفاصيل أصبحت في متناول الصغير والكبير.

 

لقد تخلت النخبتان السياسية والعسكرية عن محافظات الجمهورية العربية اليمنية (السابقة) وسلمتها للحوثيين وحلفائهم الانقلابيين لسببين سياسي، واستراتيجي-اقتصادي.

1. أما السبب السياسي فإنه لا يتمثل بتفوق الجماعة الحوثية وحتى حليفها السابق علي عبد الله صالح على "الجيش الوطني" بفرقه ووحداته المتعدد مع كل الفيالق الأمنية والحراسية، ومعهما القبائل الرافضة للانقلاب ومقاتليها الأشداء، بل يكمن في نظرة النخبة السياسية الشمالية إلى الجماعة الحوثية باعتبارها قوة شمالية أصيلة، لا يمكن محوها أو التنكر لوجودها، وبالتالي فإن انتصارها أو هزيمتها لا يمثل مشكلة رئيسية بالنسبة للنُخَب السياسية الشمالية متعددة العناوين والمسميات، وبشكل أساسي لا يشكل خطراً على "وحدة اليمن واستقراره" هذه المتلازمة التي ما من سياسي شمالي إلا وتغنى بها وأظهر من الهيام بها أكثر مما يظهره العشاق المتيمون بمعشوقاتهم الفاتنات.

2. أما السبب الأهم في تخلي النخبة السياسية والعسكرية  الشمالية عن أرضها ووطنها والنزوح جنوباً فقد جرى التعرض له جزئيا في سياق الفقرة السابقة، ويمكن تلخيصه في التالي: إن الجغرافيا الشمالية ليست ذات أهمية استراتيجية ولا اقتصادية ولا حتى سياسية بالنسبة للنخب السياسية والعسكرية وحتى الرأسمالية الشمالية، وبالتالي فإن استحواذ الجماعة الحوثية عليها لا يعني شيئا ذا قيمة لهذه النخب مقارنةً مع منطقة النزوح الجنوبية التي تستعد كل تلك النخب للمقاتلة دون التخلي عنها لأهلها، ولو اضطرت للتحالف مع التحالف الانقلابي ورسم استراتيجية مشتركة للتعامل مع تلك الجغرافيا وأهلها.

 

وكما يعلم الجميع فإن المصالح الضخمة التي حصدها غزاة 1994م جرَّاء اجتياحهم للجنوب، والاستحواذ على كل موارده النفطية والمعدنية والزراعية والسمكية والسياحية بما في ذلك المنشآت والمؤسسات والمرافق الاقتصادية ذات العائدات المليارية، كل هذه المصالح قد نقلت أصحاب الأكشاك والبقالات إلى مليارديرات تتوزع أموالهم وأملاكهم على أكثر من ثلاث قارات من العالم القديم.

والسؤال الأخير المفتوح هو: ما هي استراتيجيات الجنوبيين للتعامل مع هذه اللوحة المتشابكة والشديدة التعقيد والوضوح في آنٍ واحد؟؟

 

ذلك ما سنحاول التوقف عنده في فرصة قادمة، لكنه مجرد توقفٍ للبحث والتحليل وليس لتقديم الوصفات العلاجية الجاهزة التي لا يمتلكها إلا صانع القرار السياسي.

 

وبالله التوفيق من قبلُ ومن بعد.