وكأن للصواريخ الإمريكية توماهوك وظيفة أخرى في البحر الأحمر، وهي إضاءة السماء بالألعاب النارية، فالبحرية الإمريكية لم تحقق إنجازاً يُذكر، في إنهاء الخطر الذي يتهدد الملاحة الدولية،حيث الحوثي يضرب سلاسل التوريد يجفف موارد الدول المطلة على البحر الأحمر ويهدد بكوارث بيئية متزايدة.
الصحافة الإمريكية توجه سهام نقدها للإدارة الديمقراطية ،تصفها بعدم الجدية في معالجة ملف التهديدات الحوثية بصرامة لازمة ، وعدم رسم خطة فعالة لاتبدأ من صنعاء، بل من إيران التي تمد الحوثي بكل صنوف الأسلحة المدمرة ، ولا تقف واشنطن عند قواعد اشتباك محدودة بل تتجه بقوة نيرانها المهولة صوب الأرض ،من هنا يبدأ فتح ومعالجة وإغلاق الملف.
وعلى الرغم من إنشغالات الناخب الإمريكي بقضايا الداخل الإقتصادية، بالأمن والضرائب والصحة وفرص العمل ، إلا أن السياسة الخارجية لبايدن تنال حظها الوافر من النقد، وتسليط الضوء على مكامن الإختلالات ، وما يحدث في البحر الأحمر ورقة إنتخابية للنقاش التصادمي في حملات بايدن / ترامب.
١٣٥ صارخاً توماهوك سعر الواحد يتخطى الملايين ،مجموع ما أطلقته البحرية الأمريكية ، لإسقاط طائرات حوثية مسيرة لا تزيد قيمتها عن مئات الدولارات ، والموضوع لايقف عند حد النزف المالي للبنتاجون، بل يتعدى ذلك إلى هز ثقة الحلفاء العرب بنجاعة تصديه، ويضعف لدى الدول الحليفة رمي أوراق أمنها الداخلي في السلة الأمريكية ، وهو خط إستراتيجي بعيد الأثر ، ربما يوفر مساحة شاغرة لبحث دول المنطقة ،عن تحالفات دولية بديلة أو موازية للدور الأمريكي، وهنا تبرز موسكو والصين بالشقين العسكري والإقتصادي.
الجدل الذي يدور رحاه في الساحة الإعلامية الأمريكية والدوائر الأمنية، يفتش عن دور إيراني محتمل في التخطيط لإغتيال ترامب ، وهو جدل إذا ما أضيف لموقع إيران في تهديدات الملاحة الدولية ودعم الحوثي وزعزعة أمن المنطقة، فإنه يتحول إلى أزمة تشي بعجز فاضح لإدارة الديمقراطيين، وتبين مدى هشاشتها الأمنية ،حد إختراقها على مستوى إغتيال رئيس دولة سابق.
إذا كانت إدارة بايدن مختضلة اليد ، فإن التعويل على ترامب لايحمل قدراً من الصواب ، فسياسته الخارجية تتجه نحو الإنعزال وسحب القوات، والإهتمام بالشأن المحلي والمجاهرة بإخلاء موقعه الدولي ،وعدم الإنخراط في الصراعات المحلية، مع إحتفاظه بعصا التأديب المحدود عند الضرورة، بعمليات نوعية تستهدف شخصيات ومراكز قرار كما فعل بإغتيال قاسم سليماني ، ولكنه لن يذهب حد خوض معارك واسعة النطاق.
بايدن عاجز عن حلحلة الوضع المتفاقم في البحر الأحمر ، وترامب يتجه نحو تسليع القوة ، وتحويلها إلى سلعة لا تُقدم لحلفاء واشنطن دون دفع الثمن ، وهنا تحضر سخريته من البلاط الملكي السعودي ،وقوله إن السعودية ستسقط في إسبوع إذا ما سحب القواعد الأمريكية، وإن عليها ان تدفع مئات المليارات ثمن الحماية ، وكيف بمكالمة واحدة مع الملك إستطاع ان يجلب أموال النفط للخزانة الأمريكية.
في ظل هذا التضاد بين بايدن العاجز وترامب القادر ولكنه الرافض لطي ملف الحوثي بعملية قيصرية، والإستثمار ببقائه لإستنزاف السعودية ودول النفط ، يصبح ليس من الوارد إغلاق ملف الحرب في اليمن في المدى القريب المنظور، وبالتالي سيبقى الوضع محل تجاذبات وتسويات سياسية، تضخ في جسم الحوثي سنوات حكم إضافية، ان لم تمكنه بصفقة تسوية من حكم كل اليمن.