لابد من صنعاء وان طال السفر ، ارض آزال ، الإرث والحضارة تحيطها قبائل يمنية ضاربة جذورها ، وللاسف الشديد وكما أظن انا كاتب هذا المقال أن اليوم لا يشبه الامس وصنعاء ليست صنعاء واهلها اليوم ليسوا أهلها ، فالوقائع صادمة والمشاهد مؤلمة لا علاقة لها لا بالحكمة ولا بحسن التدبير ولا بتغليب المصلحة والتفكير العقلاني.
أن صنعاء عاصمة اليمن ، بلد الحضارة والإيمان فقدت الهوية والأنتماء وسقطت سقوطا مدويا ، هكذا نراها من خارجها ، لكن أهلها وساكنيها يرونها بوجه آخر ، يقولون إن صنعاء بيد ابنائها ، ونحن نرد عليهم ونقول ، فلم تركتموها وغادرتم أراضيها وآثرتم الشتات ، فصنعاء لم تعد عاصمة اليمن ولا مقرا للسلطة الشرعية ، كأنه انفصام سلوكي واضطراب نفسي ، يتعاملون مع المتغيرات الطائفية والفئوية كأمر واقع ويتحدثون عن الدولة المفقودة والانقلاب على السلطة في آن واحد فكيف يكون ذلك ، وآخرون من العنجهية والكذب والقفزعلى الواقع يتحدثون عن اليمن الواحد الكبير ، وهو مفقود في العاصمة والمحافظة والمديرية والعزلة ولم يعد ذا هوية وانتماء ، فالشتات الداخلي والخارجي وصل حد الاستبدال العلني بعاصمة مؤقتة من بلد آخر ومناطق متفرقة من بلدان أخرى
أن الانفصام في السياسة لدى سياسيو اليمن مرض لايرجى برؤه فالتناقض والتباين غير منطقي ولا عقلاني ، فكيف لمن يتحدث باسم اليمن الكبير الموحد أن يتصدر المشهد ويمارس طقوس السلطة كحاكم يعيش الدور ويتعايش معه كواقع وهو ليس حقيقي يكاد يكون من العالم الافتراضي فالحاكم الفعلي هو في صنعاء الغير معترف به ويسمى بالانقلابي لكنه أمر واقع يدير كل الاوضاع بلا عداوة ولا رفض ولا مقاومة رغم أنه حاكم انقلابي كما يقولون ، إذ ليس هناك سعي لانهاء الانقلاب واستعادة الدولة والعاصمة.
الأهم من هذا كله والأغرب هو التمسك باستماتة بالعاصمة المؤقتة البديل واعتبارها مصير واجب الدفاع عنه ، فصمت مطبق واستسلام كامل وتخلي هو أشبه بالبيع والتنازل عن الأرض والعرض والتاريخ والحضارة في صنعاء ونقل ملكيتها ومذهبها الديني وطابعها البشري وانتماءها الوطني وكان صنعاء تعيش اليوم ماقبل ألف سنة من الاسترجاع التاريخي ببشرها والوانها واشكالها وأحجامها واصواتها وصداها ، وتفان في الحفاظ على وحدة الأرض مع عدن فقط ، أنه هراء وزيف وكذب .
الهجرة السبئية الأولى التي انتشرت في الأرض بعد تفرق اولاد سبأ وانهيار السد تعود اليوم من جديد بقالب عصري متمدن ، هجرة يمنية من صنعاء الى الشتات في كل بقاع الأرض والى الأرض البديلة والعاصمة المؤقتة سياسيا الدائمة خداعيا العاصمة التي أخذت وظائف صنعاء اليمن لتحافظ على مسمى اليمن الذي بدأ يتلاشى ويندثر فيحاول يمنيوا الشتات افتراضيا أن ينتسبوا إليه زاعمون أنه باق لم يزل.
كلا والف كلا ، على اليمنيين في المهجر بأرض الشتات والمحجر بأرض السبات عليهم أن يفيقوا من غفلتهم ويدركوا غاية الوعي والإدراك أن البديل وهمي والعاصمة هي العاصمة ، فليست هناك عاصمة مؤقتة للابد ، فالعداد يدور بعجلة الضبط المؤقت ثم ينتهي ، كما أن العواصم التي تسقط تنتقل قيادتها إلى موقع حليف تتجهز فيه لاستعادة الشرعية ولا تمارس اي من طقوس إدارة الدولة حتى يتم استعادتها بالقوة كما انتزعت وهذا ما حصل في الجنوب ، إذ ليس هناك في التاريخ البشري بلد بديل ومقر للدولة وإدارتها في بلد آخر ، هذا هراء فصنعاء عاصمة اليمن عاصمة اليمن ، ولن تستبدل بمأرب ولا الحديدة ولا تعز وهن الأقرب فكيف تستبدل بعدن أو المكلا وهذا الأغرب.
أن ماعلى اهل اليمن الاعتراف به هو أن صنعاء هي عاصمة اليمن كما هي ، وإن الذي تغير فيها هو نظام الحكم ومن المستحيل لأي نظام سقط وانهزم أن يترك أرضه ليحكم في ارض أخرى إلا بالقوة والاحتلال.
أن الشعب في اليمن خضع واستجاب لحكم الأمر الواقع بالقبول والاستسلام التام ويتعامل مع نظام الحكم الجديد في صنعاء بشكل طبيعي بل إنه يرفض الخروج على ولي الأمر الجديد صاحب المقام السيد عبدالملك الحوثي ورئيس اليمن مهدي المشاط ورئيس المكتب السياسي محمد علي الحوثي ورئيس الوزراء بن حبتور الجنوبي المتجنس حديثا.
عيشوا الواقع كما هو فليست هناك عاصمة مؤقتة ولا حكومات المنفى ، فاما البقاء في موقع مؤقت يدعمكم الأشقاء والاصدقاء حتى تنجزوا هدفكم وتحرروا أرضكم وتستعيدوا عاصمتكم وترفعوا راية الجمهورية فيها أو تقروا للأمر الواقع وتعترفوا بحكم السيد وتنصاعوا له وتشاركوه بحصة في إدارة الدولة أن رضي لكم وبكم بعد أن تلبسوا ثوبا اخضر وتحفظوا الصرخة وتتدربوا على وجع اللطم الحسيني.
أما قضية العاصمة المؤقتة حتما ستنتهي فترتها المؤقتة وتعود لوضعها الطبيعي هكذا هي معادلة التعاون ونصرة الأشقاء ودعمهم لاستعادة حقهم المسلوب.
*- جمال مسعود