هناك من يحاول جاهداً تقطيع وتجزئة الصورة الكلية للخطر الحوثي ، ليغدو الحوثي خطر هنا وأقل خطورة هناك ،مشكلة للبعض وليست مشكلة للبعض الآخر.
السعودية تعمل جاهدةً للتقليل من خطورة الحوثي ،وإخراجه من تقويم الأولويات كمشكلة سعودية بذات القدر الذي هو فيه مشكلة يمنية ، من خلال فتح مسارات التفاوض معه بشروطه هو لا بمتطلبات التسوية العادلة، التي تخلق حلاً مستداماً في اليمن، وتبِّرد بالتالي المواجهات على طرفي الحدود اليمنية السعودية، إن لم تئدها كلياً.
وعلى الرغم من التهدئة المسلحة بين الطرفين، بإستثناء صراخ الماكينة الإعلامية الحوثية وعدائيتها نحو الرياض ، إلا إن شبح التصعيد مازال رهن تشابك أو تعارض المصالح الإيرانية مع دول المنطقة ، فالحوثي هو أداة إيرانية بكل المقاييس ، شأنه شأن الوكلاء الآخرين ، تتحدد سياسته وتُرسم مخططاته وفق محددات غير يمنية، تخدم أجندات عابرة لحدود اليمن حيث تصب مخرجاتها هناك في طهران.
ولأنه كذلك فيمكن للحوثي في حال رأت إيران في ذلك خدمة لإستراتيجيتها، أن يغادر حالة السلام البارد مع السعودية إلى المواجهة الملتهبة ، ويغدو الحوار بالسلاح أمراً محتملاً لتحصيل المزيد من المكاسب الإيرانية، على حساب مصالح دول الخليج مجتمعة ، وتحسين وضعه التفاوضي مع واشنطن بشأن ملفاته العالقة من العقوبات وحتى النووي، ويبدو أن فتح قناة التفاوض الخلفية في مسقط بين الأمريكان وإيران لخفض التهديد تُحسب للحوثي .
السعودية تجتهد حد الإجهاد لتحييد الخطر الحوثي، ليس بالردع الذي سقط كلياً من خيارات الرياض، ولا بإعادة تفكيك وتركيب مفاعيل القوة وميزان القوى الداخلي اليمني ، بل بتقديم المزيد من الترضيات للحوثي ،وإعادة صياغة المبادرات وفق طلبه واشتراطاته ثم تعديل الصياغات وإعادة صياغة التعديلات وهكذا هلمجرا ، بمقاسات تخدم صنعاء، ظاهر عنوانها الحل التشاركي، وجوهرها تمكين الحوثي من حكم اليمن، بوجود رمزي للأطراف الأُخرى ، وبإخراج القضية الجنوبية كلياً من معادلة الحل، من قضية سياسية إلى مجرد مظلمة إجتماعية ، وحقوق إقتصادية لأفراد، أي ليس أكثر من رواتب ووظائف وتعويضات عن أملاك شخصية مصادرة.
السعودية تحصد الخسائر التي تلحق بها جراء تهديد الحوثي للملاحة الدولية، وهي ومعها مصر يخسران أكثر بما لايقاس من خسارة إسرائيل، التي لا تعتمد بنشاطها التجاري على البحر الأحمر إلا بنسب هامشية لاتُذكر ، ومع كل هذا الضرر الذي يلحق باقتصادها إلا أن المملكة لحسابات داخلها الأمني، نأت بنفسها عن التدخل لحماية خطوط الملاحة، وتركت البحر الأحمر قضية دولية، تعني إقتصاد العالم وبالتالي مواجهته مسؤولية أممية لا سعودية .
إعادة إنتاج الحرب السعودية الحوثية لم تعد قائمة من جهة الرياض، وسابق توصيف الحوثي كإنقلابي سقط كلياً من دفتر التعاطي الرسمي السعودي، وإستعادة الدولة أخذت منحى آخر ، أي من إنهاء الإنقلاب إلى شرعنته وتكريسه حاكماً ممسكاً بمقاليد الدولة في كل اليمن .
هل توفر مثل هكذا طبخة سعودية تقدمها لمائدة الحوثي ، ضمانات طويلة الأمد، تجعل أراضيها ومنشآتها النفطية وعموم مصالحها خارج الخطر الحوثي ؟
ولأن الحوثي لسان حال المصالح الإيرانية ، الذي يتغير فيها الرئيس ويبقى النظام ، فإن تحقيق هذا الهدف رهن بجملة عوامل تأتي على رأسها تعرجات العلاقة بين الرياض وطهران ، وبين طهران وواشنطن والغرب، فالحوثي ليس سيد قراره فهو ليس أكثر من بندقية إيرانية على تخوم منطقة تعج بالمصالح ، حيث لم تغلق بعد طهران قوس أطماعها، ومايزال مفتوحاً على عواصم عربية قيد الاستهداف .
إيران من طرف منبوذ وغير مدمج في دورة السياسة والاقتصاد الدوليين ، تتحول إلى شريك فعلي في رسم الخرائط وتقاسم النفوذ ، بفعل وكيل يمني منحها موطئ قدم في أخطر مضيق مائي دولي وفي منطقة الثروات، ما دفعها إلى واجهة التاثير الدولي ،ودفع مصالح اليمن الذي حمل عبء الدمار إلى الهامش، حيث تمكين الدولة الطائفية يدمر الشمال والجنوب معاً ،لُحمة اجتماعية ومشاريع سياسية .
على الرغم من وهم إحتواء الخطر الحوثي بالتنازلات، يبقى إقرار إتفاقية السعودية مع إمريكا حول الدفاع المشترك، تأتي في سياق توفير للرياض حماية إضافية ، من دولة مختطفة إيرانياً، ومفتوحة على حروب داخلية إقليمية متتالية.