مع الأسف الشديد بدأنا نلمس في الآونة الأخيرة وعلى نحو متزايد وغير مسبوق؛ الكثير من الشكوى والتململ الذي يكاد أن يكون شبه شامل لكثير من الأوساط السياسية والفئات الإجتماعية المختلفة؛ ليس من سوء الأوضاع وحدها؛ وهي كما يعلم الجميع في غاية السوء؛ بل هي السبب والمصدر الأول لمعاناة الجنوبيين المؤلمة والمتعددة الأوجه؛ وهذا أمر تفهمه الغالبية العظمى من أبناء شعبنا؛ إن لم نقل بأن الجميع يفهمون ذلك ويعيشونه؛ ويتزامن ذلك مع حملة واسعة ومنظمة وموجهة على شبكة التواصل وتستهدف الجنوب وقضيته وقياداته ورموزه الوطنية وبطرق ووسائل متعددة.
ولكن ليس هذا فحسب بل أيضًا وهذا المثير للكثير من التساؤلات؛ فقد ذهب البعض بعيدًا وألقوا باللوم والغضب على المجلس الإنتقالي الجنوبي؛ بسب علاقته وسياسته التي أرتبطت بالشرعية خلال السنوات الأربع الماضية؛ بصفته شريكًا معها في هذه المرحلة ( الإنتقالية المؤقتة )؛ والتي تبدو لنا بأنها لن تكون كذلك إن لم يحدث في الأمور أمور.
فوفقًا لرأي الغالبية من الناس وهو الرأي الذي يعكس قلقهم وقناعاتهم؛ فقد ترتب على هذه ( الشراكة ) الكثير من النتائج السلبية المدمرة؛ والتي يعتقد الكثير منهم بأنها سببًا لما هو حاصل اليوم؛ بل ويرون في ( التحالف ) أيضًا؛ وهو الراعي والداعم والحاضن للشرعية؛ بأنه يتحمل القدر الأكبر من المسؤولية فيما وصلت إليه الأحوال من بؤس وشقاء.
فهو من يقف خلف هذه ( الشرعية )؛ ويتحكم بمصيرها و( قرارها )؛ والتي جعلها أداة بيده لتنفيذ أجنداته ( الخاصة )؛ وليس لإنقاذ اليمن وإسقاط الإنقلاب في صنعاء وعودة شرعية ( الدولة ) لحكمها؛ بدليل التفاهم والتصالح والإتفاق مع حكام صنعاء على خارطة طريق ( للسلام )؛ ومازالت الجهود تبذل للتوقيع عليها برغم كل الظروف المستجدة والتي يعرفها الجميع.
إن وضعًا كهذا لا ينبغي تجاهله أبدًا من قبل الإنتقالي؛ ولا من قبل بقية القوى السياسية الجنوبية الأخرى؛ أو التقليل من خطورته؛ ولا ينبغي إعتباره جزءًا من الحملات المعادية للجنوب؛ مع التسليم بأن لهذه الحملات المسعورة والمنظمة والمستمرة تأثيرها الكبير على مزاج الناس والتشويش على قناعاتهم ومواقفهم.
الأمر الذي يتطلب المراجعة الجدية والتقييم الشامل والشجاع لمترتبات العلاقة مع الشرعية والتحالف معًا سلبًا وإيجابًا؛ ودعوتنا هذه سبق لنا أن وجهناها مرات ومرات؛ مع ضرورة إتخاذ الخطوات اللازمة في ضوء كل ذلك؛ وتصحيح وتصويب للتجربة السياسية معهما؛ ومن كل الزوايا والأبعاد؛ وكذلك إستكمال الحوارات الوطنية - وهو ما أكدنا عليه مرارًا - بغية الوصول إلى نتائج وتفاهمات وتوافقات وطنية جنوبية شاملة؛ وعلى قاعدة الحرص والرؤى المشتركة؛ والتنازلات المتبادلة؛ كضمانة لإستكمال مسيرة التوافق الوطني المنشود؛ وبعيدًا عن أية حسابات قاصرة وآنية.
فمستقبل الجنوب اليوم على المحك؛ والإنتصار له مهمة وطنية ملقاة على عاتق الجميع؛ وليس على عاتق المجلس الإنتقالي الجنوبي وحده؛ ففي هكذا موقف إنما يتم إختزال المسؤولية الوطنية ويجعلها حصرًا على الإنتقالي؛ الأمر الذي يجسد موقفًا سلبيًا وتهربًا من المسؤولية الوطنية.
غير أن الإنتقالي وبحكم تصدره للمشهد السياسي العام في الجنوب؛ يتطلب منه الكثير على هذا الطريق؛ وهو معني وبالشراكة مع القوى السياسية الأخرى؛ بالبحث عن الآلية الوطنية التي من شأنها تقريب المسافات وردم الهوة القائمة داخل الصف الوطني الجنوبي؛ لوضع أسس وقواعد للتحالف الوطني الأوسع والأشمل؛ وبصيغة وتسمية مناسبة يتفق بشأنها؛ وهي مهمة عاجلة وقابلة للتحقق إذا ما صدقت النوايا؛ وأستشعر الجميع بالمسؤولية الوطنية والتاريخية والأخلاقية.