بعض الأعياد تحمل معها أنباءً تكدر صفو المرء فوق ما تفعل الحياة بتقلباتها الهائلة والمهولة، وقد حمل اليوم السابق لعيد الفطر المبارك لهذا العام نبأ وفاة الصحفي اللامع والمجتهد الراحل عبيد الحاج الذي حجّ إلى بارئه قبل موسم الحج، مثل كثير من الأشياء التي تسبق موعدها أو تباغتنا بالمجيء أو الرحيل، ولا فرق بين مجيء ملك الموت ورحيل ملك القلم إلا من حيث الكيفية التي تتم بها العمليتان القدريتان الحاكمتان لمسيرة هذه الحياة الفانية .. ارتبطت بعلاقة متواصلة بالراحل الصحفي عبيد الحاج الذي شغل منصب نائب رئيس تحرير صحيفة 26 سبتمبر في رحلة حافلة بالعطاء مع «مهنة المتاعب» التي صب فيها جام خبرته إلى أن خبره المرض العضال الذي أودى بحياته المفعمة بسيرة عطرة ، ولمست طيلة هذه العلاقة بمدى استشعار الفقيد الراحل للمسؤولية الصحفية الملقاة على عاتقه والشعور الخالص لمهنته والمخلص لوطنه فكان يحمل في قلبة الكبير وضميره الحي هم الوطن والمواطن، صحفي امتاز بالأمانة والاستقامة في كل تصرف وفي كل حرف وكلمة، كان مثالاً للصحفي المنحاز الى شرف المهنة مهنة المصاعب كما يوصفها الكثير، كان عاشقاً للحقيقة مناصراً لها، لم يجعل من قلمة قادحاًأو مادحاً بل نصيرا للحق والحقيقة، ووجدتة محملاً بهم الوطن وهو يسهم في طرح الأفكار من خلال نقاشه الهادف وأسلوبه الرائع صحفي يحمل هموم الوطن والناس أينما كان ! لقد سخر الفقيد عبيد الحاج قلمة لصالح الشعب وقارع الفساد والظلم، وانصف ثورة التغيير في صنعاء والحراك السلمي الجنوبي وقضيته العادلة، وكان لكتاباتة التى اسهم فيها اثر في تعميق مبدئي التصالح والتسامح الجنوبي خير دليل على أصالة قلمة ومعدنة النفيس الذي يعود إلى ردفان الثورة ردفان الشموخ لقد حرص الصحفي الراحل الأستاذ عبيد الحاج على إجراء عدة مقابلات صحفية معي في الفترة الأخيرة وهي الفترة التي اتسمت بالتعقيد وفيض المتغيرات السياسية. حراكاً تحررياً في الجنوب وانتفاضة شبابية في الشمال وبينهما أشواط من فن الممكن والتجاذبات والتحولات التي لم تخل من حروب ومآلات،ولمست من خلالها المستوى العالي لمهنيته والأسلوب القريب من القلب الذي يتخذه سبيلا للوصول إلى ضيفه وإلى ما يريد منه بغية التوصل إلى مايفيد الناس ويحمي الوطن ويصون تماسكه، وكان المرحوم يبذل قصارى جهده مجيشاً قدراته في صحيفة الجيش الذي لطالما كانت أسئلته معنية بأهمية أن يكون جيشاً وطنياً موحداً وأن تكون-لسان حاله- «صحيفة 26 سبتمبر» ناطقاً رسمياً لهموم الوطن والمواطن . وأستطيع القول بأن الفقيد الراحل في عز شبابه كان يملك شعوراً فياضاً بأهمية الحوار لحل أزمة البلاد والعباد ويؤمن بهذا المبدأ إيماناً صادقاً، وظهر ذلك من خلال تصدره لمشهد إصدار صحيفة تحمل إسم (الحوار) في وقت شديد الحساسية، وهو القائل في مقال له تعليقاً على مؤتمر الحوار الوطني في 18 مارس 2013م بأنه –أي الحوار- (استحقاق عظيم بكل ما تحمله الكلمة من معنى) وأضاف كاتباً : (والمشاركون في مؤتمر الحوار إما أنهم سيدخلون التاريخ من أوسع أبوابه..برسم ملامح المستقبل المنشود وبإنجاز مشروع الدولة المدنية الحديثة وإعلان القطيعة التامة مع الماضي المتخلف وقواه التقليدية المتخلفة..! وإما أنهم سيخرجون من التاريخ من أضيق الأبواب.. إذا ما عجزوا عن تمثُل تطلعات الشعب في التغيير أو تهاونوا وساوموا بأهداف ثورة الشباب السلمية..ورهنوا أنفسهم للخيارات والتأثيرات الضيقة للقوى المعادية للتغيير والحاقدة على ثورة الشباب السلمية..!عليهم أن يتذكروا تماماً أنها فرصة تأريخية لهم وللشعب.. كي يصنعوا مجدهم وأمجاد الوطن المعاصرة)..! فقدنا الصحفي المرحوم عبيد الحاج صاحب هذه الرؤية المتفائلة بحذر ولا نريد أن نفقد أيضا التفاؤل ليبقى الحذر وحيداً ... رحم الله فقيد الصحافة عبيد الحاج واسكنه فسيح جناته وألهم أهله ومحبيه الصبر والسلوان .