بالتوازي مع الضربات التأديبية الأميركية البريطانية لجماعة «الحوثي» في معاقلها بجبال «صعدة» والحُديدة وصنعاء وحَجة يدفع المبعوث الخاص لليمن «تيم ليندركنغ» بجهود دبلوماسية أيضاً، موازية لتلك التي يقوم بها رأس الدبلوماسية الأميركية أنتوني بليكن للحصول على تسوية تنهي الحرب في غزة ولو بانتزاع هدنة إنسانية، يبدو المشهد سريالياً أكثر منه واقعياً.
فلا يمكن بحال من الأحوال التغافل عن سياقات تاريخية وسياسية تفرض حضورها عند هكذا تسويات سياسية سيكون لها امتدادها على الواقع السياسي في المنطقة وحتى على العالم. التقاطعات السياسية مع العسكرية تشكل تحديّاً هائلاً في الأزمة اليمنية غير أن المقاربة الأميركية تحتاج إلى تصويبات حتى لا تحصد المنطقة نسخة أخرى من تلك الأفغانية.
قال المبعوث الأميركي الخاص لليمن، «تيم ليندركينغ» في كلمة له من «معهد الشرق الأوسط»: «كلّما أسرعنا في خفض التصعيد في البحر الأحمر، كلّما سارع المجتمع الدولي في إعادة التركيز على قضية السلام في اليمن، هذه القضية التي تُمثّل أولوية قصوى للإدارة الأميركية بالقدر الذي تعنيه لليمنيين أنفسهم»، وقال: «ما يفعله الحوثيون يضرّ بالسلام في اليمن وسيؤثّر سلبًا على المزيد من اليمنيين الذين يواجهون بالفعل مستويات عالية من الضغط والتوتر جرّاء الحرب، وبسبب البنية التحتية المتضررة، ونقص الإمدادات الإنسانية»، هذا ما جاء على لسان المبعوث الأميركي ونشر في الصفحة الرسمية للخارجية الأميركية على منصة (أكس).
وعند التركيز في كلام المبعوث الأميركي، نجد أن هناك إما تشويش في استيعاب المشهد أو أن هناك إقراراً بأن على اليمن والمنطقة أن تقبل بفرض أمر واقع بتمكين جماعة راديكالية توشك أن تسجلها واشنطن على قائمة الجماعات الإرهابية، وهنا لا يمكن أن يقدم الأمر باعتباره تشويشاً أو عدم استيعاب وفهم لواقع الجماعة وتحالفاتها مع الجماعات الإسلاموية في اليمن.
مسار التسوية السياسية يمكن استنتاج نتائجه مسبقاً ففيما أن المجلس الرئاسي اليمني ومنذ إبريل 2022 لم يستطع أن يصل لتوافق داخلي حول أهم بنود مشاورات الرياض بتكوين الوفد التفاوضي المخصص للتسوية النهائية السياسية في المقابل نرى تصعيداً «حوثياً» في جنوب البحر الأحمر وباب المندب تطلب تشكيل تحالف عسكري دولي لمحاولة احتوائه، فرضت الجماعة «الحوثية» قواعد اشتباك في توقيت مضطرب مع اشتباك أعلى في مستوى ما بعد هجوم «حماس» في غزة يوم السابع من أكتوبر 2023 غيرت معه توازنات مهمة فلقد صعدت أهمية «الحوثيين» بين أذرع إيران في الشرق الأوسط حتى أنها طرحت تسائلاً في الأوساط المحسوبة على محور المقاومة، إنْ كانت قد أزاحت «حزب الله» اللبناني، أوهي على الأقل تساوت معه في الأهمية.
هذه الدرجة العالية تفاقم من أهمية النظر إلى ما ستؤدي إليه التسوية السياسية اليمنية والتي قد تبعد التحالف العربي عن الملف اليمني بعد ما يقارب العقد من انغماسه في تفاصيله الدقيقة، يتطلب تقدير الموقف النظر إليه من جانب المستقبل البعيد. فمنح «الحوثيين» الشرعنّة السياسية يلغي مكتسبات عملية «عاصفة الحزم»، التي كان من أهم أهدافها المعلنة تأمين عدن.
تحولات عميقة جرت في المشهد اليمني حتى لا يتمكن «الحوثيون» والتنظيمات المتطرفة من فرض السيطرة وبذل جهود لا يمكن القبول بتبديدها ضمن ما يفترض أنها تسوية للسلام، بينما هي في مضمونها أشبه ما تكون بالصفقة الخاسرة. شرعنة جماعة «الحوثي» ستفرض على دول الإقليم قواعد اشتباك مغايرة لما سبق أن كان قائماً، ويمكن اعتباره أمراً سيجعل إيران وحلفاءها من جماعات «الإسلام السياسي» يسيطرون على مساحة جغرافية واسعة من شبه الجزيرة العربية. التقييمات القائمة على حلول لا ترى المستقبل هي تقييمات خاطئة، كتلك التي ظهرت خلال الستينيات الميلادية، وأنتجت يمناً فاشلاً سياسياً، وها نحن على عتبة تكوين «يمنستان» تصنعه الأيادي الأميركية.