( شامبيون 1) أم متوالية تلويث حضرموت؟

2013-08-05 21:27

(1)

حضرت ظهر اليوم الإثنين: 27 رمضان، عرض الخبير البريطاني تقرير الاستراتيجيات المقترحة لمعالجة التلوث الناجم عن تسرب المازوت من الناقلة (شامبيون1) الجانحة منذ غرة رمضان في المكلا.

 

وبمهنية الخبير المتمرس كان عرضه مركّزاً، ودقيقاً، ومحيطاً بمجاله واقعاً وتوقعات، مقدماً خيارات بديلة في كل تصور، لمثل هذه الحالة، ومحدداً في الوقت نفسه الخيار المنصوح به للحالة موضوع المعالجة، وفق خصوصياتها وطبيعتها وطبيعة المنطقة وظروفها، مفيداً من الآثار الإيجابية للمكان والزمان والمناخ والطقس وكل الظروف الطبيعية المحيطة.

 

  (2)

 لست هنا بصدد الحديث عن عما قاله الخبير البريطاني عن التلوث الذي تجاوز المستويين الأول والثاني إلى الثالث، بحسب تقريره، فبين يدي المختصين والمعنيين، نسخ منه، وسيفيدون منه بلا شك، لكن ما حفزني على الكتابة هو عدم تمكن الخبير وكوادر الشركة، لأسباب أمنية، من مباشرة العمل على الأرض، واكتفاؤهم بتدريب متطوعين من شباب حضرموت للقيام بالمهمة، وفق برنامج محدد يبدأ منذ الغد، على أن يكون هناك تواصل هاتفي أو إلكتروني مع الخبير، وفق الحاجة والضرورة والاستشارة.

 

     تساءلت في داخلي: حضرموت السلام والأمان، ليست منطقة آمنة، ولا يستطيع أي كادر منتم لأي شركة أجنبية لمعالجة التلوث، أن يأمن على وجوده في حضرموت! أيّ لحظة هذه التي نحن فيها؟ كأن المرء يكتشف لأول مرة أن منطقته ليست آمنة.

 

   يلوثون بحرنا وبرنا، ويتعاملون مع كوارثنا بلا مبالاة، حتى إذا استنفر الناس ذواتهم، وضغطوا باتجاه معالجة علمية للكوارث، وتم التعاقد مع شركة أجنبية، إنقاذاً للإنسان والبيئة، من خطر داهم، كانت الصدمة أن الشركة لا تأمن على حياة خبرائها، في هذا البلد العالي الخطورة أمنياً.

 

إنها متوالية التلويث، أيها الطيبون في حضرموت، فتلويث للبحر والبر والجو، وتلويث لكل شيء تطوله إمكانياتهم، وصولاً إلى تلويث السمعة. حضرموت منطقة غير آمنة، ولا يستطيع الأجنبي أن يتنقل أو يمارس مهمة مهنية أو إنسانية إلا إذا رافقته الأطقم العسكرية بجنود من تابعي حماية الشركات وهم وقادتهم من خارج حضرموت، حتى لكأنها تحمي الأجنبي من أهالي حضرموت!!، حيث لا يمكنه أن يغامر فيأتي إلى منطقتنا، إلا إذا كانت مروحية تنتظره في منطقة نفطية (آمنة)، لتقله مسافة دقيقتين أحياناً، كالمسافة من ميناء الضبة إلى مطار الريان.

 

(3)

من حق أي أجنبي منتم إلى شركة أجنبية أن يطلب احتياطات أمنية عالية، لكن أليس من غير المقبول أن نظل كالصامتين إزاء وضع كهذا؟

 لقد رفعت كارثة (شامبيون1) السجادة عن كوارث أخرى يحاول كثيرون التعامي عنها، ومنها أن اللاعب في كل هذا واحد، أو لنقل إن نادي الفساد و مافيات الحكم في صنعاء هو الذي  يلعب بنا، ولا سبيل إلى أي التواءات في التوصيف أو التشخيص، وإذ يجد التنفيذيون بالوكالة عن صنعاء هنا أنفسهم في مواضع لا يحسدون عليها، ويقعون بين مطرقة نادي مافيات صنعاء وسندان نادي الشعب الذين هم من أفراده قبل أن يتسلموا الوكالة، تكون خياراتهم محدودة، متمثلة في دفع الفاتورة، مهما تكن باهظة، لكنهم يصطدمون بأن الإعاقة لا تأتيهم إلا من هناك، حيث الخيوط كلها بيد الكابتن الصنعاني.

 

 

وقع التلوث، وتواجهه حضرموت، تنفيذيين بالوكالة وشعباً، أعزلين من أي إسناد يسميه البعض (مركزياً)، وفي خطوة المضطر توقع المحافظة على عقد مع شركة أجنبية لمعالجة التلوث، فتواجه حضرموت تهمة وخطراً هما من صنع نادي صنعاء، وتكون الكلفة الأمنية باهظة، وتدفع فاتورتها حضرموت، مادياً ومعنوياً.

 

السؤال الذي له (تنغيشة) في رأسي: متى ستعي حضرموت شعباً وتنفيذيين بالوكالة عن نادي صنعاء أن مسار (امش جنب الحيطة وقل يالله السلامة) ليس من المسارات الآمنة، وأن المسار المجاور له (إن البقر تشابه علينا) ليس من المسارات المفضية إلى حاضر آمن ومستقبل مضمون.

 

(4)

إن (شامبيون1) لو حدثت في بلد آخر، ومست بالضرر شعباً حياً، لكانت هي الفتيل الذي يشعل لحظة تاريخية، لكن يبدو أن نادي صنعاء إياه قد اطمأن إلى أن شعباً (ومنه جلّ القيادات التنفيذية بالوكالة والمعارضة والرافضة، وجُل الدعاة والمشايخ والنخبة المتعلمة) منشغلاً منذ غرة رمضان بالدوري الكروي قدماً وسلةً، والختايم وتراثياتها، والمسابقات الرمضانية، والدعاء في المساجد لسوريا ومصر دون الدعاء لأهل المكلا، وإفطار الصائم، والتحضير لكرنفال عيد المازوت، والازدحام في فرح مول، ولعب الدومينو( شيش قال بيش)، والباشتا، والثرثرة على ناصية المازوت، و التهاتر على الفيس بوك، والنقنقة الإلكترونية، ليس هو الشعب الذي يلتقط اللحظة التاريخية، وتظل مساراته وخياراته متأخرة بمسافة ضوئية عن المسار والخيار المنطقيين في الحالات الطبيعية والمنطقية لدى الشعوب الحية؛ ولذلك فلا قلق في نادي صنعاء.

 

(5)

قلة هم الذين استشعروا الخطر وتعاطوا معه بمسؤولية وجدية، وهم استثناء، لكن السواد الأعظم مازال يستنشق المازوت صباح مساء، إذ يمر ببحر المشراف وما حوله، لكنه يهز كتفيه، ويتمتم ربما: يا رجّال، شامبيون كما اللي قبلها، وربك كريم!.

 

لكن ربنا لم يقل أركنوا إلى صمتكم حتى ينهبوا، ويستبيحوا كل شيء، ويستضعفوا، ويستهينوا، ويدمروا، ويقتلوا، ويلوثوا، ثم إذا أردت أن ينقذك من تلوثهم شركة أجنبية، تجد أنهم قد لوثوا سمعة منطقك وبلدك، فأنت إرهابي، ولا أمان لأجنبي في أرضك، كما لا أمان لك أيضاً!.

 

هي إذن متوالية تلويث، لا متناهية، فهل من نهاية للسلبية واللامبالاة وما جاورهما في الوعي والسلوك من مرادفات مهيضة للفعل الناهض في مجتمعنا؟