صرح الرئيس ( بايدن ) قبل ايام بأن امريكا لن تترك فراغاً في الشرق الأوسط لتملأه روسيا والصين . والحقيقة فأن امريكا كانت الدولة الاولى التي حلت محل بريطانيا في انتشارها وتموضعها في الشرق الاوسط بعد الحرب العالمية الثانية ، كما ان امريكا وصلت الى حد الشراكة مع بعض الدول العربية لكن العلاقات تراجعت في السنوات الاخيرة لاسباب كثيرة .
بعد الحرب العالمية الثانية ورثت امريكا الامبراطورية البريطانية والمستعمرات عموما وتوسعت في علاقاتها وكسبت معظم دول الخليج وكذلك دول عربية في الشمال الافريقي بل وكان لها تواجد عميق في ايران الشاه كما وكسبت مصر بعد ان فقدتها بعد ثورة ٢٣ يوليو .
لكن كل هذه الدول وعلى راسها المملكة العربية السعودية لم تجد لدى امريكا الاخلاص والصدق والامانة في التعامل ، فالمملكة قدمت لامريكا ما لم تقدمه لنفسها ، من مصالح اقتصادية ونفطية الى تواجد عسكري على اراضيها بل ان المملكة هي اعظم من عقد صفقات تسلح مع امريكا .
كل هذا الوفاء والصدق الذي اتسمت به المملكة العربية السعودية في علاقاتها مع امريكا لم يقابل بنفس المعاملة والصدق والوفاء ،فامريكا لم تخلص في نصحها للمملكة في البدء في الانعتاق من ربقة السلعة الواحدة وهي سلعة النفط ، بل وكانت ولا زالت تطلب منها توجيه سياساتها حسب الرغبات الامريكية ، وهذا لا يستقيم في العلاقات الصادقة والنزيهة . وعن الشرق الاوسط وتزاحم الاصدقاء عليه ، فامريكا هي التي تركت الفرص للاخرين للفوز بعلاقات راسخة وشفافة مع العالم العربي بل ومع مجمل دول الشرق الاوسط .
وكمثال فعند احتلال الكويت وتحريرها طلبت الدول الخليجة انجاز المهمة وذلك بتغيير النظام في العراق طالما واعظم قوة بعد الحرب العالمية الثانية على بعد كيلومترات من العراق ، ولكن الرئيس الامريكي( بوش ) قال وبالحرف الواحد( لقد اعدت الأسد الى عرينه ،واعدت الكويت دولة حرة مستقلة .
ورغم تلك الكلفة الاسطورية لتلك الحرب والتي تحملتها دول الخليج وبعض الحلفاء الا ان التفاصيل كانت تكشف ان تلك النفقات العسكرية لم تكن مبررة . وهو ما عبر عنه سمو الامير خالد بن سلطان في مذكراته في معرض حواره مع الجنرال الامريكي ( شوارتزكوف ) ووعوده بان امريكا لن تتخلى عن الشرق الاوسط ، فالشرق الاوسط لم يتغير ولكن من تغير هو امريكا فهي لم تستبين ان في مواجهتها الصين التي تغدق بمساعداتها على كل دول العالم وتشق الطرق العابرة للحدود بمليارات الدولارات وتبني المستشفيات وخطوط السكك الحديدية بل وتمنح هبات واعانات بمليارات الدولارات دون ان تتدخل او تملي شروط كما تفعل امريكا .
والحقيقة فقد صعق العرب وامريكا تحتل حاضرة الامة العربية ( العراق ) وتقيم فيها نظام يقوم على المحاصصة الطائفية مستعينة بقيادات فاسدة لو مزج فسادها بماء البحر لافسدته .
وتجربة العراق شاهدة على اخفاقات امريكا الدولة في دعم ديمقراطية حقيقية بل ان النموذج الذي قدمته كان بناء وترسيخ ودعم الدولة الطائفية الفاسدة كنموذج يحل محل الديكتاتورية .
والكارثة الماثلة امامنا انه وبعد احتلال افغانستان للقضاء على القاعدة تغيرت الحرب الى محاربة طالبان ، وهم من اوجدهم ودربهم في باكستان ، وبرغم ضعف طالبان فان اخطاء امريكا الفادحة كانت المدد الذي ساهم في استيلاء طالبان مرة اخرى على الحكم ، وفرار قيادات افغانية حاملة اموال البلاد واثارها وارشيفها الى الخارج .كل قادة الافغان هم تربية امريكية منذ نعومة اظفارهم وهم من اغدقت عليهم أمريكا بهيلمان الدعاية بينما هم مجموعة فاسدة حتى العظم .
فهل لا تزال امريكا مرحب بها من قبل شعوب الشرق الأوسط.. ؟
والجواب على الارجح نعم فهي دولة غنية ومهابة وواسعة الخبرة والثراء وهي التي دافعت عن اوروبا اثناء الحرب العالمية وهي التي لا زال لها الطاعة في كل اوروبا الغربية واليابان وكوريا الجنوبية .وهي التي ملكت اول سلاح نووي ولم تخضع العالم بهذا السلاح .
ولكن على امريكا من الناحية الاخرى ان تتغير اذا ارادت ان تستعيد ثقة هذه الشعوب بها فنحن نعلم علم اليقين ان امريكا تستطيع تغيير سلوك اسرائيل وانتهاج سياسة اكثر عدلا وانسانية مع الشعب الفلسطيني وهذا سوف يسهم بحل مشكلة طال امدها لاكثر من سبعين عام استولت اسرائيل خلالها على ارض الفلسطينيين بأضعاف ما نص عليه قرار التقسيم الصادر عام 1947 ويكفي ان نتذكر ان اسرائيل ربما تكون الدولة الوحيدة في العالم التي لا تعرف جوجل خريطة لها فلا تزال في حالة توسع ! .
فاذا ارادت امريكا ان تكسب الرهان فعليها ان تنصف وتصدق في تعاملاتها مع العرب وان تحول دون استمرار الجنون الذي تمارسه اسرائيل ضد الفلسطينيين . كما ان على امريكا ان تخفف من فرض شروطها ، فلا تتدخل في ما يطلق عليه نشر الديمقراطية ، فالديمقراطية ليست الاكسير والحل السحري ،فلكل شعب تراثه وتقاليده وقيمه ، ففي الهند مثلا لن يقبل الهنود ان تفتح مجزرة لبيع لحوم الابقار بحجة حرية الناس في اكل اللحوم ..
واخيرا فان على امريكا ان لا تغتر بالقوة والجبروت فالتاريخ يعلمنا ان الامبراطوريات بعد ان تصل الى اوج قوتها تتجه نحو الانحدار وهذا قانون ازلي يحكم الدول ولن يستثني امريكا من هذا المصير .
ستذهب قوة وطغيان امريكا وسيبقى فقط من ارثها الانسانية والعدل فهي وحدها القيم التي تتصف بالثبات والديمومة
*- فاروق المفلحي