الجنوبيون لديهم قصور سياسي متوارث منذ أن تجمهروا وانزاحت عنهم بريطانيا.. وهذا "العيب المُكتسَب" يتركز في عجزهم عن رؤية ما سيأتي.. بمعنى آخر عدم معرفتهم بالخطوات اللاحقة في كل عمل يقومون به.
حين تحقق الاستقلال لم يكن الجنوبيون يعرفون ماهي الخطوة القادمة، ثم أتى من يملأ الفراغ بعبوات التراث الستيني، ليجدوا أنفسهم منشغلين "حد الغيبوبة" بالإمبريالية والرجعية والوحدة فانصرف الوقت من بين أيديهم وتكون نَشْءٌ ارتهن لمحبس النظريات الغليظة التي تسببت في عُسر سياسي وتصلُّب في شرايين التجديد، ليتم معها سحق تاريخ الجنوب وهويته ومستقبل دولته في جوف ماكنة "الطليعة الثورية" التي تشظت تحت غبار المنعطفات.
وعندما كان الجنوبيون يخوضون غمار صراعاتهم كانوا لا يفقهون شيء في مآلاتها ومصائرهم فكانوا أشدَّاءاً على أنفسهم دون مسببات حقيقية لأزماتهم، إذ ليس لها أي جذور دينية أو عرقية أو مساقط تاريخية، بل كانت شطحات نظرية لمشقّات ومشتقات اليسار واليمين وما بينهما وما خلفهما، فاقتطع الجنوبيون من لحمهم لحماً وأهرقوا من دمهم دماً وتآكلت روحهم الواحدة.
وحين دخل الجنوبيون الوحدة كان أمين الحزب الاشتراكي بكامل قواه الساذجة يمثل شعباً "مركوناً على الرفوف"، فلم يدرك ما هي الخطوة اللاحقة، بعد"شخبطة التوقيع"، بينما شريكه كان جاهزاً بعقليته الشيطانية لما سيأتي قبل توقيعه على وثيقة الوحدة، وهي بالمناسبة وثيقة مهيأة لتستقر في أحد المتاحف التاريخية كأفقر وأغبى وثيقة في السجلّ القانوني والسياسي للبشرية.
وهكذا مضت الأزمنة عاصفةً حتى أتى حراك الجنوب السلمي وحقق ذاته ثم تقدم نحو مليونياته، لكنه كان يجري لمستقر له، فانحشر في سياقاته التنظيمية وانشطر إلى مكونات فاقت بسلميتها السلبية (حمام الحمى)، قبل أن يلتفت لأي حسابات للخطوات اللاحقة وقبل أن تكون لديه قوة للطوارئ أو يضع حسبان لمواجهة أي عدوان شامل ومحتمل، وترك الحبل حول خواصر راقصي "السامبا" الجنوبية على منصات الزعيق.
واخيراً أتى الاجتياح بأقبح ما عرفه التاريخ الحديث، ولم يثبت أمامه سوى الثابتون بعد أن فرّ "رجالات" الدولة الفاشلة وحواشيهم وما حوّشوا، وسكتت أصوات "المايك" واختفت اسماءٌ ومسميات... وبقي شعب الجنوب المقاوم ثابتاً في الميدان تتوسع مقاومته وتترسخ أقدامه ليصبح قوةً ولاعباً أساسياً في تحديد مسارات الحرب والسلم.
ألآن يأتي السؤال المرجح! من سيتسلّم الجنوب في حال (انهارت) قوات الخصم أو (فاوضت) أو (حصل) ما يجعل من الجنوب على أعتاب (مرحلة مختلفة) ؟ أليس هذا سؤال الأسئلة؟.
يجب أن لا يقع الجنوبيون في نفس الحفرة القديمة المتجددة بل عليهم أن يحددوا من سيسيطر على الارض ويحقق سلامة وأمن الجنوب لاحقاً.
إنه أمرٌ حيوي أن تكون هناك إجابة شافية لا نصوغها نحن بأقلامنا البعيدة بل ذلك الجيل اللصيق بالأرض ومن يذود عنها، ويجدر بنا فقط أن نذكِّر، لأنه إذا توقفت الحرب ستبدأ اللحظة السياسية الحرجة وسنرى محاولات للإلتفاف من الداخل.
من سيتسلّم الجنوب ؟ سؤال حان الآن صياغة إجابته من خلال "تنظيم القوة" في كل محافظة لمواجهة "فراغ القوة المنظمة" حينما تحِلُّ اللحظة الفارقة .