فتش عن البيس!!

2022-04-01 09:05

 

ارتباط السياسة بالمال ارتباط وثيق وقديم قدم السياسة والمال. فالموضوع ليس بسر بل ان هذا الارتباط منطقي جداً فالسياسة هي فن الاستئثار والاحتفاظ وتوظيف السلطة، والمال هو أحد اهم عناصر القوة المؤثرة والفعالة من اجل هذا الاستئثار والاحتفاظ والتوظيف للسلطة

 

الامثلة والشواهد على ذلك كثيرة سواء على مستوى الدول او الافراد في التاريخ القديم او التاريخ المعاصر، على سبيل المثال قد نرى لدولة صغيرة وغنية تاثيراً سياسياً قوياً في حل نزاعات اقليمية مستعصية والمساهمة في اسقاط انظمة قوية وعتيقة، الوفرة المالية الضخمة لمثل هذه الدول هي التي أعطتها هذه القدرة على التأثير الكبير في مجريات الامور في اماكن كثيرة في العالم. قد لاتكون هذه الوفرة المالية هي السبب في هذا التأثير الكبير ولكنها بدون شك العامل المساعد الاكبر

فالدراهم كما قال الشاعر العربي عنها هي اللسان لمن اراد فصاحة وهي السلاح لمن اراد قتالاً، لذلك كان فهم هذا الارتباط ضرورياً من اجل فهم وتحليل اي حالة سياسية في مكان ما او من اجل فهم وتحليل مواقف السياسيين واسباب اتخاذهم لقرارتهم وتغييرهم لمواقفهم وتناقضات تصريحاتهم وتبدل اهواءهم وتكوين تحالفاتهم. فالسياسي شخص له اهداف محددة، قد تكون اخلاقيةً او قد لاتكون، ولكنه في نهاية المطاف يسعى لتحقيق اهدافه بشتى الوسائل الممكنه والمال أحد اهم هذه الوسائل.

 

علي عبدالله صالح على سبيل المثال رغم ضحالة تعليمه وخواءه الفكري الا انه استطاع البقاء على رأس السلطة لاكثر من ثلاثة عقود في دولة شديدة المراس مليئة بالتناقضات، احد اهم الاسباب الرئيسية لبقاءه طويلاً في السلطة هو انه فهم موضوع الترابط الوثيق بين المال والسياسية مبكراً فعمل على توظيف هذا المال – الزلط – في التلاعب بالسياسيين على مدى سنوات طويلة، وهذا التلاعب شمل سياسيي الداخل والخارج من المؤيدين له والمعارضين و من كافة الاطياف والاشكال والالوان والمذاهب

 

موضوع الزلط انتقل من رأس النظام في اليمن الى القواعد ثم الى كافة المؤسسات والقطاعات، فأصبح ديدن النظام كله قائماً على الزلط وحق القات وحق ابن هادي الى غيرها من المصطلحات التي تغلغلت على مدى سنوات نظام صالح لتصبح ثقافة اعتيادية تسير بها الامور الحياتية اليومية بشكل طبيعي.

 

مايهمنا في الموضوع الان هو السير نحو المستقبل الافضل والانظف، وهذا لايعني هدم الترابط بين السياسة والسياسيين وبين المال ولكن ينبغي فهم هذا الترابط ووضع اسس له قائمة على الشفافية والوضوح. فشعبنا الكادح والمسكين بحاجة ماسة لأن يفهم قادته السياسيين بشكل افضل وبالذات القادة التاريخيون وان لايعطي تاييده ودعمه الا لمن وضحت علاقته مع الزلط في الشمال ومع البيس في الجنوب

لعل فهم هذا الترابط يساعد على حل بعض الالغاز السياسية المحيرة وفك طلاسمها مثل ماهو سر اختفاء بعض قادة الجنوب التاريخيون لسنوات طويلة وما هو سر صمت البعض الاخر لسنوات اطول وما هو السر في التقارب مع دولة على استعداد لمحاربة العالم بأكمله تحت تأثير خرافات المهدي المنتظر، مثل ايران، تقارب مثل هذا كفيل بان يهوي بأي قضية عادلة ترتبط معها الى مدارج معاداة العالم باسره والمخاطرة بالقضية برمتها. الحل لهذه الالغاز جميعاً لأي باحث عن جواب يبدأ بإجابة بسيطة: فتش عن البيس

في الغرب كل الاحزاب السياسية تتلقى اموالاً من التجار ومن اشتراكات الاعضاء والمتبرعين وتقيم حفلات جمع التبرعات وتتلقى مبالغ ضخمة من المشاهير المؤيدين لسياساتها، وهنا يكمن الفرق، ان فهمهم لترابط المال والسياسة هو ضرورة ان يكون هذا الترابط علني وشفاف ويحاسبوا عليه، اما فهم سياسيينا وقادتنا التاريخيون فهو مغلف بالشعارات الساذجة والتلاعب بعقول البسطاء ومشاعرهم وانعدام الشفافية بشكل كامل

إذن لنتفق ان اي سياسي يريد منا دعماً او رفعاً لصورته او تأييداً لمواقفه فليفصح لنا اولاً عن مصادر تمويله ان كان من اصحاب الهيلامان و الجاه، عدا عن ذلك فليتركوا الشعوب تقرر مصيرها بعيداً عن وصايتهم وتاريخهم السيئ الصيت والرائحة مالم فستظل الجماهير تفتش عن البيس و تتساءل من أين جاءت ومقابل ماذا أعطيت؟

 

*- بقلم: المهندس حسام سلطان