الصرخة في شبوة

2021-10-03 19:53

 

قبيل تسليم فرضة نهم للحوثيين من قبل الجيش "الوطني" كان كل قادة الشرعية يهددون الحوثيين ويتوعدونهم برفع علم الجمهورية اليمنية في مران، وقال قائلهم، لن نسمع الصرخة حتى في مران نفسها، "لأن أهل صعدة بما في ذلك مران قد عانوا الأمرين من هذه الجماعة السلالية العنصرية الباغية".

ربما يكون في هذا الكلام بعض الصحة خصوصا ما يتعلق بمعاناة أهل صعدة من سوء إدارة من يتولون شؤون إدارتها، وشخصيا لمست هذا عندما كنا في مدينة صعدة  في منتصف العام 2007 ضمن "اللجنة الرئاسية" المكلفة حينها بتنفيذ "اتفاقية الدوحة"، التي لم ترَ النور بعد لقائنا الوحيد مع عبد الملك الحوثي في مطلع أغسطس من نفس العام بعيد الحرب الرابعة.

ليس هذا موضوعنا فربما توقفنا عنده لاحقاً، لكن ما نحن بصدده هو تلك الأنباء المصورة التي يتداولها ناشطو التواصل الاجتماعي والتي يظهر فيها أحد الحوثيين وهو يدرب بعض أبناء بيحان على ترديد الصرخة، . . . بيحان المديرية الجنوبية الواقعة في محافظة شبوة بعد أن سلمها الجيش الـ"وطني" للحوثيين كما سلم قبلها مأرب والبيضاء والجوف ونهم، وقبل ذلك عمران وحجة وصنعاء والمحويت وريمة وذمار وبقية المحافظات التي لم نسمع فيها طلقة رصاص واحدة من أشاوس هذا الجيش ضد الجماعة الحوثية.

حينما كان القادة الحوثيون يقومون بتلقين صرختهم لبعض أبناء شبوة كان الإعلام الـ"شرعي" يتفاخر بمقتل بعض الحوثيين هنا أو استعادة كيلو متر مربع أو أقل هناك من المحافظة التي كانت بكاملها تحت سيطرة السلطة المحلية بحماية كاملة من النخبة الشبوانية المشهود لرجالها بالشجاعة والبسالة والإباء، ولو كانت النخبة هي من يتولى الملف الأمني والعسكري في شبوة لما تطاول الحوثي واحتل شبراً واحداً من ربوعها الطاهرة، لكن المحافظة سلمت تسليماً لمن ليس أهلا لحمايتها، وبالأحرى لقد سلمت لأشقاء الحوثي وشركائه في الهدف والوسيلة، ولذلك جاء التسليم والاستلام بين الطرفين بلا أية مواجهة وبلا "وجع رأس"، فالأرض هي نفس الأرض والمُسَلِّم والمُسْتَلِم إخوان.

ترديد الصرخة في شبوة أو التَدَرُّب عليها يجب النظر إليه من عدة زوايا.

  • فمن ناحية على الجميع بما في ذلك الحوثيين أنفسهم أن يعلموا أنهم في أرض غريبة عليهم ولا تتقبلهم ولا يستطيعون إجبار أهلها على الخضوع لسلطانهم وأيديولوجيتهم، حتى وإن وجدوا نفراً من الناس يصور لهم يسر المهمة فبيحان وكل شبوة مثل كل بقعة في أرض الجنوب بيئة طاردة للشعار والسلالة والأيديولوجية المستوردة من قرون ما قبل الطباعة والمذياع.
  • ومن ناحية أخرى ينبغي على إخوتنا الجنوبيين المؤيدين للـ"الشرعية" ممن لم يستوعبوا الدرس بعد أن يستوعبوه جيداً، وفحوى هذا الدرس إن مسمى "الشرعية" هو مجرد غطاء لتجار الحروب وغزاة الجنوب في 1994م وفي 2015م وها هم اليوم يتناوبون في الأدوار ويتبادلون الخدمة مع من يدَّعون أنهم يحاربونهم، ولا يحتاج الأمر إلى كثير من الذكاء لمعرفة أسباب تنازل الجيش الـ"وطني" عن بيحان وعسيلان وغيرها من مديريات شبوة للحوثيين واستئساده في وجه النخبة الشبوانية، وحتى في وجه نشطاء الفعاليات السلمية من أبناء شبوة وحضرموت وغيرها، من المطالبين بجزء يسير من ثروات أرضهم لسد حاجاتهم المعيشية والخدمية التي نهبها منهم أساطين "الشرعية" المخطوفة.
  • لن أخوض كثيراً في ما يطرحه بعض (المحللين السياسيين) و(الناشطين الإعلاميين) من سيناريوهات لما بعد ترديد الصرخة في بيحان، والذين يرون أن الخطوة القادمة هي تسليم حضرموت والمهرة أو تسليم أبين وعدن، للحوثيين مقابل الصفقات السرية بينهم وبين خاطفي الشرعية، ليقيني أن الشعب الجنوبي الذي هزم التحالف الانقلابي وهو في أوج قوته، حينما كان (الشعب الجنوبي) في أوج ضعفه المادي واللوجستي وحتى البشري، لن يقبل بأن يعاد احتلال أرضه بعد كل النضارات التي خالها والانتصارات التي حققها والتضحيات التي قدمها، فلا أبناء شبوة سيتنازلون عن محافظتهم وثرواتهم وكرامتهم للوافدين الغرباء عنهم، ولا حضرموت والمهرة أو أبين وعدن تصلح للمقايضة والاسترضاءات فيما بين هؤلاء الغرباء على أهل تلك المناطق وأرضها وتاريخها وهوية أبنائها.

أما سماسرة الأوطان وبائعي الضمائر وعددهم لا يتجاوز عدد أصابع اليدين وربما القدمين،  فسيلفظهم التاريخ كما لفظ الذين سبقوهم وقبلوا على أنفسهم لعب دور الكومبارس السياسي الذي ينتظر الفتات مكافأة له على خذلان أهله وبيع أرضه وثرواتها والتخلي عن العزة والكرامة التي ضحى من أجلها الجنوبيون بأغلى ما يملكون من الدماء والأرواح، منذ لبوزه وعبود ومدرم مرورا ببن همام وبارجاش ومحمد ثابت الزبيدي والمعكِّر وصالح طالب وسالم الغاز حتى عمر الصبيحي وأحمد سيف وسعيد تاجره القميشي وأبو اليمامة وغيرهم آلاف الأسماء التي يزخر بها تاريخ الإباء والاستبسال والرفض الجنوبي.