دين الفطرة تجده في الجنوب حيث ينتشر السلام وتشيع المحبة في أرجاء البرين الشرقي والغربي لواحدة من أبهى وأعرق المدائن في الكون. الأقصر مدينة المعابد والأديرة والمقامات, وموطن الفراعنة وموئلهم, وملاذ القديسين والصالحين من جور الحكام والطغاة, ونقطة الوصل بين مصر الفرعونية ومصر القبطية ومصر الاسلامية.
بلد "ثلث آثار العالم" هي بلد سواح, كما تقول الأغنية الشهيرة, فيها الأجانب تتفسح "وفي كل عام وقت المرواح.. بتبقى مش عاوزة تروح".
والأغنية تصف مشاعر السواح دون تزيد, فهذه المدينة مبهجة وآمنة وكريمة كما أهلها الطيبين المتعافين من الأمراض الوبائية التي تجتاح العالم العربي وفي القلب منه مصر.
مطلع الأسبوع الجاري, أثناء زيارتي للقاهرة, اتصلت بصديقي جبرئيل جديس, وهو مرشد سياحي من أبناء الأقصر تعرفت عليه الخريف قبل الماضي خلال زيارة إلى الأقصر رفقة زوجتي الغالية, وقد فاجأني فور اتصالي به بالقول إنه فرغ للتو من الحديث عني مع صديقه اكرامي بلال.
ابتسمت إذ تذكرت أن الأقصر بلد معجزات وكرامات بلا ضفاف.
شخصيا شهدت [أنا الذي لا أميل إلى حديث الكرامات باعتبارها شأنا يتصل بالفرد ومعتقداته وتجاربه وليس لها أن تتصل بالمجتمعات] واحدة من هذه الكرامات في مقام الشيخ محمد ابو القمصان, وهو واحد من عشرات المقامات المنتشرة في صعيد مصر.
بعد ساعات من اتصالي بجبرئيل جديس, صدرت قرارات الرئيس مرسي بتعيين محافظين جدد, وهي قرارات كان من المتوقع تأجيلها بالنظر للتوتر الشديد الذي يجتاح مصر منذ أسابيع. لكن حاكم مصر لا يعيش في برها كما يظهر, فقراراته الأخيرة, وبينها حركة المحافظين, تضيف أسبابا للثورة عليه حتى وإن توسل استرضاء جماعات من التيار الاسلامي كالجماعة الاسلامية التي ارتيط اسمها بواحدة من افظع الجرائم الارهابية التي شهدتها الأقصر في التسعينات.
اختار "فرعون مصر" الإسلامي قياديا من الجماعة الاسلامية محافظا للأقصر مستفزا مشاعر أغلبية المصريين بمن فيهم وزير السياحة الذي تقدم باستقالته احتجاجا على القرار.
ومن المؤكد أن القرار الذي يطعن المدينة في الصميم ويجهز على أخر رمق حياة فيها, سيستدعي ردات فعل مماثلة من مسؤولين محليين اتقاء لغضب مدينة تختزن في جوفها من المعجزات والكرامات أكثر بكثير مما يظهر في بريها, الشرقي والغريي!
* من جمال المفلحي