تلقينا ببالغ الحزن والأسى نبأ وفاة اللواء الركن محمد عمر ناصر السعيدي (ناذخ) وكان الفقيد من أبرز الأسماء في سلاح المدفعية وقيادتها، التحق اللواء ناذخ بالسلك العسكري عام 1954م، وفي عام 1964م رُقي إلى رتبة ملازم في جيش محمية عدن (جيش الاتحاد).
جمع ناذخ في جراب خبرته العسكرية الطويلة الخبرات العسكرية بشقيها الشرقي والغربي معاً، فقد حصل على عدد من الدورات العسكرية الخارجية قبل الاستقلال، وحصل بعد الاستقلال على دورة إلى إحدى الأكاديميات الروسية في موسكو، حصد منها في زمن قياسي أعلى جائزة على الإطلاق، فقامت الأكاديمية بنحت اسمه في المتحف العسكري الروسي في موسكو - ولايزال منحوتاً لليوم - بين كوكبة من أشهر الضباط الميدانيين من مختلف الدول الشرقية، ليتفرَّد بهذا الشرف وحده على مستوى اليمن، لا يشاركه فيه سوى قلة بعدد الأصابع من الضباط العرب، كما علمت.
تعرفتُ الى الفقيد في عدن عندما كنتُ وزيراً للدفاع عام ١٩٦٩م وكان من أبرز الضباط وأكثرهم كفاءة في سلاح المدفعية وقيادتها وشارك في الدفاع عن الثورة والدولة في جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية وكان رجلاً شجاعاً ومتواضعاً ومرحاً وساخراً ويحظى باحترام العسكريين والمدنيين لحبه لعمله وجنوده، وقد اشتهر في سلاح المدفعية اثناء الحروب بالإصابات الدقيقة للأهداف وكانت بوصلته إبهامه..
لم تنقطع اتصالاتي معه عندما كنت وزيراً للدفاع ورئيساً للدولة في عدن ولقاءاتي معه في معسكر سلاح المدفعية والضالع وكرش والعبر وغيرها من المعسكرات.
واستمرت علاقتنا بعد ذلك في صنعاء عندما كان يشرف على القوات المسلحة التي التحقت بنا بعد ١٩٨٦م وعلى تجميعها وتدريبها وتسليحها كغيره من الضباط وفي مقدمتهم القائد أحمد صالح عليوة. وفي ليبيا عندما كان يشرف على القوات في صحراء اللويق جنوب طرابلس عندما كان الخطر يهدد الجماهيرية عام ١٩٨٧م من قبل تشاد وحلفائها وقد أرسلنا من منطلق قومي قوات برية وجوية بناءاً على طلب القائد معمر القذافي الذي استعان أيضاً بقوات وطيران سوري وقوات من منظمة التحرير الفلسطينية وبعض الأحزاب اللبنانية.
وأتذكر أنني قمتُ بزيارة هذه القوات في اللويق في يوم صيف حار والتقيتُ مع اللواء ناذخ حينها وغيره من القيادات اليمنية والليبية والسورية والفلسطينية واللبنانية، وتحدثت معهم عن الدور القومي لذلك الوجود..
وكان الفقيد ناذخ يتحدث عن طبيعة الصحراء الجرداء من النباتات، وحرارتها وقساوتها وأنه شاهد غراباً في الجو ومن شدة الحر سقط الغراب وشاهده وقال له بطريقته الساخرة وهو يشير بإصبعه: ما الذي جاء بك من عدن الى هذه الصحراء القاحلة.
وضحكنا جميعاً..
وكانت له تعليقات ساخرة وهادفة في السلم والحرب ففي حرب عام ١٩٧٢م بين الشمال والجنوب طُلب منه التوجه الى جبهة الضالع أثناء اشتداد المعارك فيها وانتقل بسيارته من عدن في طريقه الى الضالع مع بعض حراسته ولم يشاهد في الطريق اي مظاهر من مظاهر الهتافات التي كانت تهتف "بالروح بالدم نفديك يا يمن"، وعلّق ساخراً: بالروح بالدم نفديك في امنسم، بلهجة دثينة.
وغير ذلك من النكات السياسية والعسكرية والاجتماعية.
بوفاته خسر الوطن والقوات المسلحة قائداً، بطلاً وشجاعاً وهب حياته لخدمة هذه الأمة.
تعازينا الحارة لأولاد الفقيد، ياسين وأحمد ونجيب وكافة أفراد أسرته، وجميع رفاقه ومحبيه.
تغمد الله الفقيد بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته، وإنا لله وإنا إليه راجعون..