أستطيع أن اكتب المقالات الطويلة والباذخة في وصف يافع ، وليس ذلك لانني يافعي وعاشق للارض والإنسان ، بل لانني منصف وصادق وأتألم عليها بل واشد بها عضدي .
كما يشد بها الوطن عضده.
يافع ما تركت في نفسي فقط ذكرياتها وملامحها وجمالها ، بل شكلتني وتعمقت في رسم ملامحي ولغتي وتصرفاتي وجموحي واخلاقي . قل عن يافع ما تريد من الوصوف الجميلة فهي تستحقها وتليق بها بل وتنتمي اليها .
تشعر وأنت تسهب في وصف يافع روائعها وصبرها ومجالداتها ونخوتها وشممها تشعر ان تلك الوصوف لم تمنحها حقها في نقل ما هي عليه من شموخ وكبرياء وشجاعة وطيبة وأمانة وعزة نفس وبهاء .
ويافع يجب ان لا نسمع الى حاسدها او من يغار منها او من لا يحبها او من يجهلها ! فهي تاريخ وحاضر وتضحيات .
فماذا تتحدث عن الارض الخيرة والتاريخ الناصع والشجاعة والطيبة ، كل هذا اذا انكره ! من لا يحب يافع فهو انكر الدين والاخلاق والقيم والحقيقة .
ماذا لديه من لا يحب يافع ان يقول ؟ من مرهقات وتجنيات ومؤلمات ؟ هل اننا مصابون بالغرور؟ وهذه فرية ! هل نحن نتخاصم ؟ وهل من سجايانا البخل وهل ننحاز لاستجداء الحاكم للانس برفقته ومجالسه وتناول اشهى موائده؟
وأجيب بصدق وثقة فهذه العيوب حذفتها يافع من قاموس اخلاقها وطبائعها وسلوكها قبل الإسلام ، بل ومنذ عهد سيف بن ذي يزن .
كان علي عبد الله صالح قد فطن لاهمية تحييد يافع ، ولكن دون ان يقربها اليه . فيافع ومن تجربة حكام ومهراجات الهند الذين عملوا معهم كانوا اشد عليهم في التعامل والارضاء من شعوبهم الطائعة والمخلصة.
والسبب ؟ انهم اي اهل يافع (وهم كانوا الحاميات والحرس الخاص والامناء ) كانوا يكرهون الملق والتزلف والتكبر والغرور والتباهي وفخامة الحكم وهيلمانه بل والظلم .
وكانوا اشد على مهراجات الهند في الغضب للحق وهذه حقائق تحدث بها التاريخ اليافعي في الهند في حقبة تواجد ابناء يافع في خدمة بعض حكام الهند المسلمين ومنهم مهراج حيدر عباد ، وتاريخ يافع في الهند سيرة تتلى .
فطن علي عبد الله صالح لامر مهم ، وهو طالما ويافع ساكنة هادئة فلا تدعوا يافع تستيقظ . وقيل انه طلب من بعض الجهات في دول الخليج استثناء اهل يافع من منع الاقامات الذي فرض على اليمنيين بعد حرب الخليج.
وان ابناء يافع وبعد حرب الخليج ورغم الصد والمنع هاجروا باعداد كبيرة الى دول خليجية وحصلوا على فرص الاقامة دون عناء رغم المنع التام لصرف الاقامات لبقية ابناء اليمن .
لم يكن ذلك الا لتخفيف الضغط عن صنعاء من غضبات يافع التي إعتادت على الغضب للحق منذ تاريخ نشأتها الاولى.
كانت تلك اللفتة لمنح الاقامات لابناء يافع مقابل تطبيع العلاقات مستقبلا وترسيم الحدود، وكان الهدف الخفي هو ان تغيب يافع عن مشهد الوطن
وعن ترسيم الحدود فلقد احسنوا في ذلك لان الحدود بين العرب وهمية ولا يجوز الاختلاف عليها .
بيد ان النجاح لم يكن حليف علي عبد الله صالح في تروي يافع فقد حيد يافع لسنوات ولكنها استفاقت وهي ترقب تنمراته في بناء ثكنات للجيش في يافع ، وهذا لم يكن سهلا على يافع ان تستقبل الحرس والعسس والمتنمرين في عقر دارها وحرمها .
فكانت الغضبة وانسحب الجيش كليلاً ذليلاً، وكانت بداية التحول في صنعاء الى الفتك والتوحش وترهيب كل النابهين والفرسان من كل ابناء الجنوب فسقطوا الشهداء غيلة وعلى رأسهم بعض من خيرة نشطاء شباب يافع .
وأسوق خاطرة فعندما استقبلت صنعاء وفد مشايخ يافع بعد صيف ١٩٩٤م كان من بين من حضروا ووجهت لهم الدعوة ، هم السلطان فضل بن محمد عيدروس والسلطان فارس هرهرة والشيخ عبد الرب النقيب والشيخ حسين محمد محسن الظباعي وكل مشايخ يافع بني مالك وبني قاصد العشرة وكنت للاسف الشديد من بين الذين ترشحوا للحضور .
كان الهدف كسب يافع وترضيته حتى تالف الرخاء والإسترخاء وتتحول نمور يافع الى نمور وديعة واليفة .
كان بيننا من لم يقبل ومن لم يعجبه الامر ، وكان يستفزهم بالقول الصادع ، دون مراعاة انه في ضيافتهم .
ذلك هو (ويشهد بذلك كل من حضروا) ذلك هو الشيخ المجالد والشجاع( عبد الدرب احمد النقيب) الذي صرح مرة في مجلس الشيخ عبد الله بن حسين الاحمر (انكم وفي تصوركم على اننا شيوخ وظائف !! انتم هنا تجهلوننا وأضاف . لا لا نحن شيوخ شرف !! لم تمر هذه الكلمات بذهني بكل بساطة بل اعدت تدويرها بعقلي واسكنتها قرارات ضميري .
نعم نحن كذلك فلم ارى شيخاً من مشايخ يافع يميل الى طلب العون والمساعدات من صنعاء ولا من بريطانيا في عز مجدها ورغم ذلك الثراء والوفرة والترضيات . فقد تمرد على بريطانيا السلطان الشهيد محمد بن عيدروس وكذلك عمي الشيخ عبد الحميد المفلحي بل ووالدي الشهيد قاسم المفلحي .
ومن المهم ان ننوه بسلاطين لحج وسلاطين العوالق وابين، وامير الضالع الذي تم نفيه من قبل بريطانيا الى تعز وهو الامير الشجاع حيدرة . طيب الله ثراهم جميعا .
هولاء الحكام كانوا ثوارا وكانوا يتحالفون ويتعاملون مع بريطانيا في (الحماية) ويتحدثون لهم بكل ندية ولا يقبلون بالوصاية والرعاية والعمالة البخسة . ولهذا فلقد كانت الاتفاقيات مع بريطانيا لحماية الوطن.
فسميت مناطق الجنوب بالمحميات . وعن يافع فقد تركت خارج التفكير عند المسرات وكانت فقط تدعى عند الخطوب والنجدة والمدد.
واستطيع اليوم ان اقول ان يافع قد حرمت مشاريع حيوية وفرص ابتعاث وطرقات ومشاريع مياه ، وهي اليوم تبني نفسها لانها تلفتت حولها فلم تجد من أحد.
على انني اطالب قادة الوطن وعلى رأسهم قادة المجلس الإنتقالي ان يغدقوا العون والسخاء ليافع ، فهي مددهم في الحرب والخنادق وعند البلواء والخطوب . فكونوا مددهم في البناء والتطوير .
يافع كنز من التراث الإنساني والطبيعة والمعمار والمعادن ويافع سخاء من البهاء والجمال والسحر وقبل هذا يافع هي الكنانة وهي السيوف الصقيلة والإباء والشمم.
اليوم تتحول يافع الى مدائن ممتده ولا نغفل موقعها السياحي وطبيعتها وتاريخها وأثارها وطيبة اهلها وتواضعهم وصدقهم ، لكن يافع تعبت وارهقت وعانت وتغربت وتوجعت واستنزفت .
فكونوا لها العون لتكون معكم في ادارة الوطن الذي احبوه اليافعيون حتى التوت اضلعهم ، وبكوه في الغربة حتى جفت دموعهم ، واسكنوه قرارات قلوبهم ورسموه في جمال أغانيهم وقصائدهم ومساجلاتهم .
يافع ليست متميزة ولكنها تستحق التمييز ، لانها اعطت وما استبقت وصبرت وما اشتكت واجزلت وما شحت . فكونوا لها فقد كانت ولا زلت لكم يافع في السراء والضراء .
فاروق المفلحي