بهذه الكلمات القصيرة التي تختزل في جوهرها معان كبيرة لا يستطيع الإنسان أن يعبر عنها ؛ وقف بعض شباب حضرموت الشجعان الأبطال أمام السيارات التي تريد الذهاب نحو عدن للمشاركة في مليونية الذكرى 19 لإعلان فك الأرتباط .
وقفوا أمام هذه السيارات وكنت شاهداً على ماجرى ، فقال أحد هؤلاءِ الشباب الذين - والله- نفخر بهم ونعتز بأمثالهم : قال بكل إباء ورجولة وشجاعة: والله لن تذهب أي سيارة من هذه السيارات إلا على دمائنا أو يتم أخذنا إلى عدن للمشاركة في المليونية، فنحن نريد أن نشارك معكم ولكن لا نملك الأموال ، نريد أن نشارك معكم في هذا الزحف ، نريد أن نموت في عدن، نحن مستعدون لأن نقدم أرواحنا ودمائنا من أجل شعبنا وأرضنا !!!
وبالفعل لقد قاموا بمنع تحرك هذه السيارات لأكثر من ساعتين ، عندئذ تم جلب بعض المركبات التي ربما تكفي لبعض هؤلاءِ الذين يجب على كل قائد جنوبي في الداخل والخارج أن يرتقي إلى مستوى تضحياتهم الجسيمة وشجاعتهم الفذة .
غير أن المؤسف هو مجرى من عدم أخذ بعض هؤلاءِ الشباب لقلة المركبات ولكثرة هؤلاءِ المشاركين !!
إن هذه الواقعة التي كنت أنا أحد شهودها العيان تبعث في النفس الطمأنينة والثقة التامة في هذا الشعب الذي يتمنى المشاركة في مليونية لا يعرف ما يتنظره من أحتمالات سيئة خلالها. غير أنه لم يعد يبالي بشيء سوى بمطلب واحد فقط وهو نيل كرامته وحقوقه المسلوبة.
لم تنتهي القصة هنا فقط ، بل توسعت حيث أنني عندما كنت راجعاً من منطقة ( الشرج ) إلى مسكني بفوه ، تفاجئت بأن على الطريق العام وبالتحديد قبالة منطقة ( باعبود )، نقطة مكونة من مجموعة من الشباب الذين حزموا أمتعتهم للسفر، وعقدوا العزم على البذل والعطاء ؛ هؤلاءِ الشباب كانوا يقومون بتوقيف المركبات وخاصة المركبات الكبيرة ( الباصات )، لأعتقادهم بأنها تريد الذهاب إلى عدن ! فلما أقترب الباص الذي كنت أحد ركابه قاموا بتوقيفه وسألوننا : هل تريدوا الذهاب إلى عدن ؟ فأخبرناهم بأننا نريد فوه وهذا (الباص )، ليس إحدى المركبات التي من المفترض أن تشارك في الزحف نحو عدن.
والله إنني عندما سمعت ذلك الشاب الذي يصرخ بأعلى صوته قائلاً: نحن مستعدون لذهاب إلى عدن ولكننا لا نملك الأموال ! نريد أن نستشهد في عدن ! نحن شباب ونحن من يسقدم لهذا الوطن الغالي والرخيص ! نحن على استعداد أن نقدم الدماء والأرواح في سبيل الله ثم في سبيل هذا الوطن وهذا الشعب !
سبحان الله إن هذا الموقف العظيم الذي كاد أن يبكيني عندما سمعت دويه يرن في أذني ، يذكرني بذلك الشاب التركي الذي أتى في قافلة لكسر الحصار عن غزة قبل سنوات قلائل عندما كان حسني يتربع على عرش مصر ؛ فلما استوقفوهم الجنود المصرين بدأ يترجاهم بكل أخوة وبراءه ، يقول لهم نحن لدينا دواء ولدينا طعام نريد ان نعطيه أطفال غزة فأسمحوا لنا بالمرور ؟ ويواصل الشاب التركي قائلاً : بالله علكم هل ترضون هذا لأبنائكم وأبائكم وأمهاتكم وزوجاتكم ؟ حتى أبكى الكثير من الجنود المصريين إزاء هذه الكلمات التي خرجت من القلب مباشرة إلى القلب .
إن ما شهدناه من ترجي شباب حضرموت ومطالبتهم بالمشاركة في مليونية عدن يعبر تعبيراً بطوليا عن شموخ هذا الشعب، ومدى تضحياته لنيل حريته وكرامته وعزته .
ويبقى في الأخير على كل من يستطيع أن يقدم المال لهذه الزحوف التي ستستمر إنشاء الله إلى أن يتحرر الجنوب، عليه أن يحس بهؤلاءِ الشباب ، ويساهم في دعمهم ولو بالشيء اليسير .
هل تعلمون شيء عن هذه المفارقة العجيبة؟ أبناء حضرموت والجنوب يبكون من أجل الذهاب إلى عدن، ولعدم وجود المال الكافي الذي يساعدهم على الذهاب !!! وبعض القوى السياسية التي تنتمي لنظام صنعاء تدفع الأموال الكثيرة الطائلة لحشد أنصارها في عدن لتزوير الرأي العام ، ومع هذا لا تجد العدد الكافي الذي يريد أن يشارك !!
سبحان الله ، ما أشجعك وأقواك وأصبرك على التحدي ياشعبي الباسل ؟ والله إننا لنفخر بك بين الشعوب .