الاتراك هذه الجمهورية العظيمة كانت لديهم فرصة مواتية للتعامل مع محيطهم العربي بعيداً عن الشوفونية والعثمانية وتمرير المتشددين وتمريقهم سراً في حرب حطمت سورية وحولتها الى ركام .
فقدت سوريا بسبب التدخلات والحرب الاهلية الظالمة والمتوحشة ، فقدت من القتلى ما يزيد عن ٩٦٠ الف قتيل وتهجر من سكانها ١٣ مليون مواطن ونسفت وهدمت مدن بقضها وقضيضها .
ساعدت تركيا في إستمرار تلك الحرب الوحشية، ثم إستدارت لتشحن المتشددين وتلقي بهم في محارق ليبيا .
هناك بالتاكيد مصالح لتركيا لا نحرمها منها ولا نقصيها ولكن دون ان تحرق ارضنا ألاّ أن تركيا (أردغان) هذه الايام شعارها
- يا عافية أوديك فين -؟
أين تركيا من الصين وعقلانيتها وبرجماتيتها وحصافتها ؟حيث وتركيا سلكت الدرب الشاق والمضني بل والمحفوف بالخاطر فقد كرست اسلوب التدخل وفرض اجندتها منتهزة الحروب والإنقسامات والصراعات .
بينما الصين وهي الاعظم في العالم اليوم ، تخلت عن شططها ورعونتها وتشدداتها العقائدية واصبحت تمد يد التعاون والمساعدات لتكريس هدفها الوحيد ، وهو اقامة علاقات مصالح تجارية ومتوازنه وموثوقة مع العالم .
ومنذ ان تخلت الصين في عهد -شونلاي- في سبيعنات القرن الماضي عن التدخل والتسويق للعقيدة -الماوية- وهذه السياسة الصينية الرصينة ثابتة ومتطورة بل وملهمة لدول مثل فيتنام بل وكوبا.
ومن نافلة القول فان الصين العظمى لم تقم علاقات مع الدول من منطلق عقيدتها ونهجها الاشتراكي بل انها استثنت وحيدت هذا الامر ، وعملت بحذر وحرص دون ان تحدث أي تدخلات او تنمرات ، وكان ولا يزال نهجها مع الجميع سواءً الخصم او الصديق هو التعاون والتبادل المنفعي والتجاري الصادق والشفاف.
وللاسف فأن تركيا لم تستلهم منهج الصين الحصيف ، في مد علاقات مصالح دون تصدير النهج العثماني الذي لم يعد حتى صالحا لتسويقه في تركيا نفسها .
فهناك توقعات في إنحسارات سياسية مباغتة لحزب العدالة الذي وان حقق انجازات مدوية في الاقتصاد ، الا انه تجراء وعكر صفو علاقاته المنسجمة مع الجوار العربي والغربي بل ان أوردغان يتجه الى سياسة القبضة الحديدية في الداخل .
هل منكم من يتذكر الزمن السوفياتي وتلك الجهود المضنية لجعل العالم اشتراكياً ، فكانت النتيجة أن تعب الشعب السوفياتي ، تعب من تصدير الثورات ومن تلك الاغداقات والاستنزافات فجاء -جورباتشوف- بسياسة -الجلاسنوست- ثم -البروستريكا- فتفتت الجمهوريات السوفياتية وانفصلت عنه ١٤ جمهورية اسيوية واوربية.
اليوم هناك دولتان في العالم ارهقتا بسبب هذا النهج المتشدد والتوسعي في نشر العقيدة او المنهج وهما جمهورية تركيا والجمهورية الاسلامية الإيرانية.
هذه الدول المتقدمة قادرة ان تكسب الجوار والعالم العربي بدون تصدير نهجها وعقيدتها او مذهبها ، فالتجارة البينية هي اليوم مربط الفرس وهي التي تنمو بالعلاقات بل تسمو بها وتزدهر .
والشواهد صادقة وساطعة في ان النهج الصيني الحكيم قد أوجد مثالا وتجربة مدهشة في التعاملات بين الدول .
وكمثال فلو طلبت -الصومال- من الصين دعمها في فتح مدرسة اسلامية! في مقديشو ! لما ترددت الصين في هذا ، وليس ذلك لايمان وتبتل الصين بل لان ذلك يقدم رسالة طمأنة الى الصومال في اننا لا نختلف حول دينكم ومنهجنا وعلاقاتنا وهدفنا هو ان ما يرضيكم سيرضينا .
لماذا لا تخاف الله فينا تركيا ? وتتعامل معنا كجوار نحبه وندرس تاريخه ونفخر بوسطيته وان تركيا لولاها لم بقي عالمنا العربي بهذا الامتداد من النيل الى الفرات.
تركيا ارهقتها التدخلات والتنمرات والحشودات وشحن المقاتلين الى ليبيا لتمزيقها واحراقها .
هناك بدائل سلمية مدهشة وناجحة وهي في ان تمد تركيا عونها التقني والخبراتي والمالي لبناء الاوطان العربية لتضميد جراحاتها وانتشالها من معاناتها ومأزقها.
تعلمنا من التاريخ ان المحتلين في كل بقاع الارض غادروا مستعمراتهم . ومن آثروا الذوبان والتماهي مع الشعوب انصهروا وسادوا وتسيدوا واصبحوا سكان تلك الارض بل وحكامها .
قد تسألون من مثل ذلك؟ واقول انهم -الاسبان - رغم قتلهم ونهبهم فقد اقاموا مستعمراتهم في امريكا الجنوبية والشمالية وتماهوا مع السكان الاصليين فاكتسبت تلك البقاع لغتهم وطباعهم ، واصبحوا الاسبان ضمن نسيج وهوية تلك الدول دون طمسهم لعراقة سكانها الاصلين وتراثهم وقيمهم .
عاشت تركيا مثل هذه الحقبة في مصر ، فانجبوا الشعراء والعلماء والحكام بل والملوك ولكنهم لم يتماهوا مع الشعب المصري فكانت القطيعة.
احتلوا - اليونانيون - مصر فبنتها وزوقتهت وشيدت مدينة الاسكندرية التي كانت منارة العلم والحضارة وشقت الترع وزرعت ارضها وطورتها واقامت مدنها وزينتها وامتدت اقامتهم لالف سنة وغادروا ثم ولو الادبار .
فلم تتمكن اليونان من اذابة هوية الشعب المصري لان اليونان راوا في انفسهم التميز العرقي واللغوي والحضاري فأنعزلوا فعادوا ادراجهم الى آثينا .
نصيحة لتركيا هذه الدولة العظيمة والتاريخ والمجد التليد
نصيحة ان تبيعونا اجهزتكم وملابسكم وعطوركم بل وحلوياتكم وحليكم ، فهذا ابقى واربح من هداياكم المسمومة من المتشددين والمسدسات الكاتمة والطائرات المسيرة والراجمات.
تركيا ليست دولة ذاهبة وليست دولة عابرة فهي الجوار والتاريخ والدين والقربى وهي التي حفظت لنا لغتنا العربية واعتنقت ديننا وافتخرت بتراثنا وشعرنا وادبنا وآثارنا ومخطوطاتنا بل وحمتنا لستة قرون من الغزو والتمزيق والضياع فسلمتنا ارضا تزيد عن ١٢ مليون كيلومتر مربع دون تمزيق او بيع او مقايضات .
فما داهاها وما اقساها اليوم .
فاروق المفلحي