تباين السياسة (الخارجية) بين سيئون والمكلا

2020-01-22 04:46

  

مكونان سياسيان أعلنا قريبا فتح فروعهما في حضرموت، وكان أن اختارا مدينة سيوون موقعًا لفرعيهما دون مدينة المكلا، التي هي العاصمة التي من الطبيعي أن تكون الفروع بها، لا في سيوون، كما أن البطولة الرياضية الشاملة لكل أندية اليمن اختير لها الانطلاق في الملعب السيووني.

 

   ولأن ذانك المكونين (الجنوبيين) يعلنان في برامجهما الرغبة أو عدم الممانعة في العودة إلى صنعاء، لاذا بسيوون؛ حيث ما زال يرفرف علم الجمهورية اليمنية، وحيث ما زال الوجود العسكري لقوات موالية لتعزيز الوحدة، بل غالب أفرادها من المناطق الشمالية، وحيث يغلب على المزاج العام هناك، ولاسيما النخبوي، البقاء تحت حكم الكيان الموحد لليمن.

 

   ولا تتوفر تلك البيئة السياسية المواتية والودودة في المكلا، حيث يسود علم دولة عدن المنقرضة، والوجود العسكري هناك لقوات محلية تائهة الولاء، فهي تحمل صفة الحضرمية، وترفع الراية الجنوبية، وتستعمل الأرقام اليمنية، فضلا عن وجود مزاج عام يميل إلى التطلعات القصوى لحل القضية الجنوبية.

 

   وبذلك تكون هذه هي المرة الثالثة الذي يحدث فيها تباين سياسي في الموقف من (الخارج)، بين كبرى مدينتي حضرموت في تاريخها المعاصر، فمدينة تنجذب إلى عدن ومن يحكمها، وهي المكلا، ومدينة تنجذب إلى صنعاء ومن يحكمها، وهي سيوون.

 

   فعند حدوث التجاذب في نهاية القرن التاسع عشر بين الأتراك المتواجدين في صنعاء، والبريطانيين المحتلين لعدن في استقطاب حضرموت، وكلا منهما يرغب في ضمها إلى نفوذه، مالت سيوون إلى الأتراك، واتصلت بهم حتى النهاية، وانطرحت المكلا للبريطانيين فتعهدوا لها بالصداقة والحماية.

 

   وعند مفتتح القرن العشرين، وبعد جلاء الأتراك عن صنعاء، وقيام دولة الأئمة المتوكليين، عاد الاستقطاب مجددًا، فمال بعض حكام الوادي ونخبه إلى الاتصال بصنعاء المستقلة، بينما بقيت المكلا على اتصالها بالإنجليز بعدن، وقد تمكنوا من الضغط على سيوون لإسكات دعوات الولاء لصنعاء، والتخلص ممن يحاول الاتصال بالإمامة، فدانت لهم سيوون راغمة، وعاقبها الإنجليز بعدم الاتصال المباشر معها إلى حين.

 

   ولا يقتصر التباين على الشق السياسي فحسب بل امتد إلى جانب العلاقات الثقافية، فإذا اطلعنا على كتابات النخبة المثقفة في المكلا نجدها تعكس الميل نحو فكرة الجنوب العربي، ولاسيما الكتاب محمد عبد القادر بامطرف، وحسين محمد البار، ومحمد عمر بافقيه وغيرهم، وتتواصل بالزيارة مع مدينة عدن وأعلامها كمحمد لقمان، وصحفها كفتاة الجزيرة والفجر والنهضة وغيرها.

 

   بينما بالمقابل نجد النخبة المثقفة في سيوون تعلي من فكرة اليمن الموحد، مثل عبد الرحمن بن عبيد الله السقاف ومحمد بن هاشم ومحمد الشاطري وغيرهم، وتتواصل مع مدينة صنعاء وأعلامها كإبراهيم الحضراني وأحمد الشامي، وصحفها كالإيمان وسبأ وغيرها.

 

   واليوم يكاد يتكرر المشهد نفسه، فالمكلا وأكثر نخبها تميل إلى عدن، وتدعم دعوة عودة فكرة الجنوب العربي، بينما سيوون وأكثر نخبها تمد يدها نحو البقاء في إطار اليمن الموحد، وتحتضن المكونات أو المناسبات ذات المنحى نفسه، والأعلام المرفرفة في شوارع المدينتين تعكسان ذلك التباين، الذي هو للجميع باين.

 

*- د. أحمد باحارثة