هناك فوبيا لدى الأشقاء في الجمهورية العربية اليمنية اسمها الانفصال ، وهناك كمية كبيرة من الخوف المرضي غير المبرر يجتاح السياسيين والناهبين وحتى المواطنين العاديين ، وهي مخاوف قائمة في الأساس على أفكار وأحكام مسبقة على المستقبل الذي هو في علم الغيب، فيعتبر معظم الشماليين أن أرزاقهم نزلت في الجنوب، وإن حصل فك الارتباط للجنوب العربي أو انفصال كما يسمونه، فإنّ الناس في الشمال ستموت من الجوع، وإنّ الأعمال ستتوقف والحياة في الشمال ستتحول إلى جحيم.
هذه الأفكار الخاطئة والسلبية سببها الشحن والتعبئة الإعلامية لنظام صنعاء طوال عقود من الزمن، فقد تم تقديس الوحدة وربطها بالبقاء، حيث لا حياة بدون وحدة، فأصبحت الوحدة هي الدين والحياة والموت وكل شيء ، فمن سب الوحدة فقد سب الدين، ومن دعا إلى الخروج عن الوحدة فقد دعا إلى الخروج عن الدين، فكانت شعارات "الوحدة أو الموت" نتاج التصور الخاطئ الذي رسمته عصابات نظام صنعاء الناهبة لثروات الجنوب، وأعدادهم بالعشرات بينما بقية الشعب يعاني الفقر والتخلف.
في بعض الأيام كنت أرتاد مطعما يديره إخوة يمنيون من الشمال، ومن كثرة الزيارات لهذا المطعم نشأت معرفه سطحية بيني وبين مدير المطعم، وهو شاب من محافظة ( إب ) اليمنية، كنت أحاول أن أتحدث معه بلهجة شمالية حتى يهتم بي ويقدم لي الملحقات المجانية للوجبات، لعلمي بعنصريتهم الكبيرة في كل شيء، في أحد الأيام أستوقفني وسألني من أي محافظة يمنية أنت ؟ فأجبت من محافظة (إب)، قال هيا بنا نذهب إلى عدن نذهب لقتال الانفصاليين .
في الحقيقة فقد استفزني كثيراً هذا الكلام المؤذي، لكنني أدركت أن كلامه هذا نتيجة للبيئة التي تحيط به، فقلت له: يا أخي عن أي انفصال تتحدث، وهل تبقت في اليمن وحدة أو دولة أو جمهورية، الجمهورية اليمنية يا عزيزي انتهت وأصبحت من الماضي، وعليك أن تقبل بهذا الواقع، وإن لم تقبل وذهبت للقتال فلن تكون سوى رقم في ملف القتلى وعائلتك هي من تدفع الثمن.
فوبيا الانفصال عند الشماليين دخلت مراحلها المتطورة والخطيرة وازدهرت عقب حرب صيف 1994م، حيث روجت الكثير من القيادات الشمالية الدينية والسياسية لفكرة خطر الانفصال ، بعدها بفترة قصيرة أدخلت تلك الأفكار المتطرفة ضد الجنوبيون إلى مناهج الدراسة، وأفردت لها مساحات واسعة في صفحات كتب مادة التربية الوطنية، وكان الحقد الموجه ضد الجنوبيين يدرس في المدارس، تجلت نتائجه في الأفعال والمشاعر العدائية ضد الجنوبيين وضد كل ما له علاقة في فك الارتباط واستعادة الدولة الجنوبية.