بدايةً يمكن القول أن الحوار بمعناه الفلسفي والسوسيولوجي هو ظاهرة إنسانية حضارية، ويشكل نافذة فكرية للتواصل الانساني بين الأفراد والجماعات، وبين الموسسات والتنظيمات ، بل وبين الشعوب والحضارات. وهذا يعني أن الحوار ضرورة مجتمعية وحقيقة جوهرية عاشتها وتعيشها المجتمعات البشرية، نظرأ لما له من أهمية تعود في الأساس في خدمة الفرد والمجتمع معا.
وعليه فان الحديث عن الحوار بمعناه العام ومقاصده الاخلاقية هو حديث منطقي وعملي وواقعي تستدعيه شروط ومحددات حياتنا المعاصرة.
إذا فالحوار مطلبُ تستدعيه شروط العيش الوجود المشترك ، مهما اختلفت أهدافه ومواضيعه وزمن دعواته، إلاّ انه يشكل أبرز اهم الطرق والوسائل الاجتماعية للتواصل والتفاهم والتقارب بين الناس في إطار المجتمعات الإنسانية، وهكذا نلاحظ اعظم واهم المنجزات الحضارية في التاريخ كانت نتائجا لعملية واسعة من الحوارات التي جرت بشتى الطرق والوسائل بين الناس وعبرت عنها جهودهم تلك التي لم ينقطع فيها التواصل والترابط ببعضهم البعض.
وهناك نماذج متعدد لذلك التواصل والحوار الذي نعيشه ونتفاعل معه بصورة دائمة في حياتنا اليومية كالتواصل الذي يبدأ داخل إطار الأسرة بين الاباء والابناء وبين الزوج والزوجة، وبين الأبناء ببعضهم . مرورا بذلك التواصل الذي يجري بين الأصدقاء وجماعات العمل والمصالح المختلفة وصولا إلى الحوار بين الثقافات والشعوب المختلفة.
ولطالما نعيش في إطار المجتمع الواحد كما عبر عنه ابن خلدون في مقدمته الشهيرة ان الانسان بحاجة إلى العمران أي المجتمع والعيش مع الجماعة فذلك يحقق له امرين مهمين الأول إنتاج القوت بصورة مشتركة ،والثاني إيجاد الأمن فلا يتحققان الا بالجماعة بحسب قول أبن خلدون ، إذا نحن بحاجة لمعرفة بعضنا البعض اولا فمعرفتنا لبعضنا تعد وسيلة هامه لاكتشاف وجودنا الاجتماعي وتحديد ماذا نريد وما ينبغي ان نعمله معا في هذا الفضاء الاجتماعي المشترك.؟
اما الإستغناء عن الحوار مع الاخرين هو ما يجعلنا منغلقين على ذاتنا فقط وهو الامر الذي يؤدي بناء بالضرورة إلى حصر انفسنا في دوائر ضيقة ومن ثم تكون نظرتنا للامور العامة منطلقة من زاويانا الشخصية ورؤيتنا الضيقة لها فقط، وذلك قد يعرضنا إلى الوقوع في الفهم الخاطئ تجاه بعض القضايا العامة، وهذه الحالة ملحوظه اليوم في واقع الاجتماعي إذ يرى البعض منّا ان رايه وموقفه تجاه قضية ما هو الرأي الصائب وغيره هم على خطأ. ولاسيما عند تناولنا للقضايا العامة.
وعليه نقول ان الصواب ليس حكراً على أحد دون غيره. من هنا تبرز أهمية الحوار والتقارب بين الناس في بحث ومناقشة قضاياهم الرئيسية وهو ما اصطلح الحديث عنه بالشورى والتفاهم والديمقراطية وجميعها بالمعنى الضمني نطلق عليها بالحوار.
فالحوار هو الوسيلة التي من خلالها الكشف والتعرف على الرأي الآخر تجاه قضية ما بصورة مباشرة.
إذا ما المطلوب من الحوار؟؟
يمكن القول ان المطلوب من الحوار بصفة عامة هو شرح وجهة نظر الأطراف المختلفة أو المتباينة، لبعضها البعض، بمعنى أخر أن يرى كل طرف الطرف الآخر ما لا يراه هو. من هذا المنطلق نلاحظ أن الحوار الجاد بالضرورة سوف يؤدي إلى تضييق مساحة الخلاف والتباين تجاه القضايا المشتركة.
وهنا يكون الحوار عامل مساعد دون شك في تحقيق ما هو مقصود منه. ثم إن وحدة الرأي في كل صغيرة وكبيرة هي محل للاجتهاد فهي ظاهرة صحية دائما، لكنها تسير في إطار التنوع المؤطّر المطلوب لنجاح قضية ما كالحوار المطلوب اليوم بين الجنوبيين.
إذا ما هو هذا الحوار المطلوب اليوم:
بالتركيز على القضايا العامة ذات الاستحقاق الحضاري والتاريخي والسياسي التي تبرزه معطيات اللحظة الراهنة ببعدها الزماني والمكاني، هو الحديث عن الحوار عن كيفية استعادة السيادة الجنوبية وتحقيق استقلال الجنوب من منظوره الاجتماعي والسياسي والحقوقي معا كهدف للتواصل بين القوى والمكونات الاجتماعية والسياسية والفاعلين في الوسط السياسي والاجتماعي الجنوبي المتحور حول قضيتهم الوطنية وهدفها الرئيسي الذي دفعوا من اجله الآلآف من الشهداء والمتمثل في استقلال الجنوب وبناء دولته الوطنية استكمالا لمشروع الاجماع الوطني في مأسسة وحشد طاقات أبناء الجنوب في بوتقة واحدة في إتجاه تطوير واكمال المنظومة السياسية الناشئة الممثلة بالمجلس الانتقالي الجنوبي وهدف الرئيس باستقلال الجنوب عن أي شكل من اشكال الوحده مع صنعاء .
اجزم القول هنا بان اغلب القوى والمكونات والشخصيات الاجتماعية الجنوبية لم ولن تكون مختلفة عن ذلك الهدف الذي جسدته معاني الكفاح المشترك والمظالم والاستبداد الذي مورس على الكل، والمصير المشترك .
أ.د. فضل الربيعي