أهيلوا على الماضي النسيان

2019-03-25 22:48

 

والنسيان يمنحك السلام والسلام يهديك الطمئنينة . وعن فضيلة النسيان ، فنحن وان تمكنت منا ذاكرتنا- الحزينة - فانها تنغص عيشنا وتقلقنا بل وتمزق صفنا .

 

وما مقالي هذا الا لتذكير اخوتي في الجنوب ، انه قد آن لهم ان يبعثوا الجميل ، من تاريخنا فهنا تقترب الناس من بعضها وترتاح القلوب من احزانها ومواجعها .

 

في تراثنا ان العزاء ثلاثة ايام وبعدها لا تبعث الحزن، فالنسيان شكلاً من اشكال الحرية .

 

وعن الجنوب حينما اقرأ مقالاً يتحدث عن فترة ما بعد الاستقلال ، وما وقعت من اخطاء وعداوات واقصاء ، فنحن وقبل ان نلوم وننساق الى التجريح ،علينا ان نتفهم الزمن والعصر وصراع الاقطاب حينها ، أي الاتحاد السوفيتي ، وامريكا .

كانت الدول العظمى تتسابق الى كسب اي دولة خارج الاحلاف لتكون في معسكرها سواء ً الرأسمالي او الإشتراكي .

 

وكانت الجنوب من تلك الدول التي فاز بكسبها الاتحاد السوفيتي وكان ان تحقق المثير بل المذهل في الجانب التعليمي وبناء جيشا متميزاً.

 

وفي المقابل وكمثال .كسبت امريكا الى جانبها دول كثيرة ومنها - الفليبين- فعانت تلك البلاد من الامية والقهر والعذابات والظلم فوق حدود الخيال .

الجنوب وفي حقبة - السوفيت-ورغم الحصار ورغم الظروف الاقتصادية الصعبة فقد حققت قفزات مذهلة فوق حدود امكانياتها وظروفها .

ولست هنا على وفاق او خصومة مع الاشتراكي، فانا اكتب بحيادية ولن اشخصن مشاعري لكي اسوق التهم او المديح .

 

الإشتراكي - حرر الشعب من الامية وهي من اهم النقلات في تاريخ الوعي الانساني . كما حرر المرأة التي تسنمت مناصب قيادية في سلك القضاء وفي مفاصل السلطة .

كما ان قانون الاسرة الى اليوم تتحدث عنه الامم المتحدة بل ودول مثل تونس، والجزائر،

ويقفون امام ذلك الوعي السبّاق في وضع قانون يحمي المرأة من هواناتها وذلها وخنوعها .

 

فلا داعي لبعث الجراحات والملامات اليوم ، فهناك حسنات واضحة في تلك الحقبة .

ولان الجنوب في خضم متغير غير مسبوق فنحن بحاجة الى ان نقبل ببعضنا البعض وان ننسى ونقرب ونصفح ونسامح ونتسامح ونعمل معا بروح الفريق .

 

لو ان رسول الله صلى عليه وسلم امر قومه بمعاقبة كفار قريش ومنهم ومن دهاقنتهم - ابو سفيان- لما استطاع ان يكسب القوم وان يجعلهم عوناً له لا عوناً عليه .

وهنا استطيع ان اتخيل ان المساجد في المدينة وما حولها وفي مكة بعد فتحها العظيم ، استطيع ان اقول ان الخطاب الديني - التسامحي- كان صوتها العالي ، ونصها الصريح وتوجهها الاخلاقي التصالحي الواضح لنسيان ما قبل فتح مكة .

 

لم تقهر وتتقهقر دولة - بني أمية- الا بعد ان سلطت الخطباء والوعاظ على سب الخليفة أمير المؤمنين علي ابن ابي طالب كرم الله وجهه،

بل وسلطت السنتها على آل البيت . هنا تخلخت بنى ومداميك الدولة الامو ية ، فدارت الايام ليفتك بهم الخليفة العباسي ابو العباس، فانتشل امواتهم من تحت تراب قبورهم وجلد رفاتهم وحطم جماجمهم بزبر الحديد .

 

لقد تمادى- الامويون- في تجريح آل بيتهم والصحابة الكرام ، وفي الملامات بل والامعان في السخرية، فوقعوا في شر اعمالهم ، وما ذلك الا حصاد السنتهم .

 

حتى نتصالح ونتعاش ويبحر مركب الوطن دون اعاصير ورياح عاتية ، علينا ان نقبل ببعضنا وان نتناسى عيوب بعضنا .

 

لو ان - مانديلا- انتقم او كرس اللوم والادانات على- المستعمرين البيض ، لما استقرت - جنوب افريقيا -ولما تماسكت وشمخت وحققت موقعها بين صفوف الدول العشرين المتقدمة .

 

من يبعث احزاننا ومواجعنا فهو جاهل أو. غرير ، او يعمل لدق الاسافين في جسد الامة الجنوبية التي تتعافى اليوم من ماضيها وذكرياتها واحزانها وجراحاتها الغائرة .

 

لن ننشغل في لوم من اكتسح ارضنا ولا من حاصرنا ولا من أذلنا . حينما تكسر القيود وتتحرر . انسى زمن القيود ، وكرس حديثك نحو كسر قيود الفرقة وبناء الثقة والتسامح حتى مع خصمك .

 

اقسمت على نفسي ان لا ارهن قلبي واسماعي لمن يسوق الملامات سواء لحقبة الأشتراكي او لمن يحدثني فيمزق لم شمل وطني في المناطقية ، ويسوق لي حديث - الافك- في ان الضالع يستحوذ على المناصب منذ فترة الاستقلال حتى اليوم .

او ان - ابين - تتستحوذ على الحقائب الوزار ية ، او ان حضرموت تدفعها اهوائها للنأي بنفسها عن الوطن ، وحضرموت هي قلب الوطن بل كل الوطن .

 

وعن ماضينا حتى الاستعماري فلم يكن بغيضاً ابدا ، ولم نقراء في سيرة وتاريخ السلطنات والمشيخات من ظلم ونكال وتسلط .

 

وعن قيادات الاشتراكي التي لا زالت بيننا او في المنافي ، فهم معنا ومنا وهم اهلنا ، وهم ذاكرة الوطن وتاريخه الحديث وبوصلته الدقيقة ، وهم الذين جربوا وتعاملوا مع العالم من حولهم وليس من قيادات اليوم في الجنوب رغم اخلاصهم وصدقهم ليس بينهم من يمتلكون خبرتهم وعلاقاتهم الدوليةً.

 

نحن على مشارف متغيرات صعبة بل وملهمة ، سواءً في الجنوب او في الشمال . لن ننشغل بالمهاترات ولا بالادانات ولا بنبش الماضي .

 

لقد احاقت الجمهورية العربية اليمنية بنفسها فهوت الى حضيضها ، عندما اوغلت في سخريتها وفي اداناتها لعهود الامامة .

لقد اخبرني والدي ان الامام احمد حميد الدين - طيب الله ثراه- كان عادلاً وتقياً واديباً وحصيفاً وكان شديداً على نفسه ومجالداً في حياته ، وكان فقيهاً ورعاً زاهداً ومتديناً .

فلم نسمع من الجمهورين ، غير مذماتهم وحقدهم على آل حميد الدين ، وما انصفوهم فانصفهم الله .

 

لا تبعثوا التباغضات من مراقدها .

وان تبعثوها ، تبعثوها ذميمةً

وتضرى إذا اضريتموها فتضرمي

 

فاروق المفلحي