بالنظر لازدياد حالة (التهييج والهيجان) الممنهج والعفوي كذلك والقائم على ردات الفعل المنفعلة على شبكات التواصل الاجتماعي وبعض الوسائل الإعلامية الأخرى التي تماهت مع هذا الضجيج مع الأسف، وهو ما زاد من سخونة (المعركة) على حبهة (الإعلام الاجتماعي) وأصبح القلق والتوجس والخوف يزدادون عند الناس من حدوث ما لا يحمد عقباه، مع ما يصاحب ذلك من شكوك متبادلة بين أطراف عدة فاعلة في المشهد السياسي الحنوبي مع تصعيد ملحوظ لعمليات الاغتيالات وما يترتب عليها من غمز ولمز واتهامات متبادلة، وإن لم تكن معلنة في أغلبها، وهو ما يفسح المجال واسعا للقوى المتربصة بالجنوب والجنوبيين شرا لتمضي قدما في تنفذ أجندتها وخططها الشريرة..
وعليه فقد رأيت بأنه من المناسب أن أعيد نشر موضوع سابق كتبته في 23 أبريل الماضي، متوخيا من ذلك أن يتفاعل العقلاء وصناع الرأي العام وكل القيادات المعنية بأمن واستقرار الجنوب ومستقبله وإنقاذ عدن الحبيبة مما هي فيه من جحيم وإعادة قراءته وبعيون المسؤولية الوطنية وبضمائر حية تنتصر للجنوب بالعقل والحكمة، وهو ما دعونا له في مقالنا أدناه حينها:
إلى متى سيبقى الحوار الحقيقي والجدي والصبور غائباً فيما بيننا.. ويبقى القول الفصل في لحظات معينة على ما نختلف عليه قائماً على التهديد بالعنف، أكان للابتزاز أو لفرض الرأي والرؤية المخالفة أو لتحقيق بعض المصالح الخاصة أو دفاعاً عنها أو للحصول على بعض المنافع المؤقتة التي يوفرها نظام الحكم وسلطة القرار، وهي منافع خادعة وقاتلة لأصحابها وتعميهم عن رؤيتها أضواء الإعلام وجوقة المنافقين وبطانة السوء والفساد، وجميعهم - كما أثبتت كل التجارب الإنسانية - ينفضّون ويختفون ويتركون أولياء نعمهم يواجهون مصيرهم، بل ويتحول البعض منهم إلى شهود إثبات عليهم، وهي النتيجة الطبيعية لعدم التفاهم والقبول بالآخر، بل وقد تصل الأمور إلى استخدام السلاح لتنفيذ وجهة النظر هذه أو تلك أو لتغليب هذه المصلحة أو ذلكم المشروع على ما عداه وتحت يافطات وعناوين وطنية مع الأسف، بل وقد استخدم فعلا مرات ومرات وفي محطات ومراحل مختلفة وبدرجات متفاوتة وبأشكال متعددة من تاريخنا السياسي في الجنوب ولم نستفد من الدروس والعبر التي خلفتها تلك الصراعات التي لم تكن مبررة ولا عادلة لا لهذا الطرف ولا لذاك من الأطراف التي كانت تبرز علناً على السطح بالنظر إلى ما تخلفه من تداعيات مؤسفة مثلها مثل كل الصراعات والحروب الداخلية حول العالم. ويبقى الاحتمال شبه مؤكد دوماً بوجود أطراف أو جهات خفية، داخلية كانت أم خارجية.. ولربما لبس بعض شخوصها أقنعة المتصارعين لجعل الصدام حلاً بديلاً عن لغة الحوار ولا مفر منه لتحقيق ما يريده هذا الطرف أو ذاك، وكانت دائماً النتيجة المأساوية على حساب الأمن والاستقرار ومستقبل الشعب وباسمه؟!
إلى متى سيبقى الماضي هو الحاضر الفاعل سلباً والمتحكم وإلى درجة كبيرة بالسلوك السياسي عند البعض في حاضرنا، بل وجعلوا منه مفتاحاً وبوابة وحيدة لا عبور لنا إلى المستقبل إلا عبرها كما يتصورون ويعتقدون خطأ أو أنهم ما زالوا يعيشون وهم القدرة على إيقاف عجلة الزمن وجعل عقارب الساعة تعود إلى الخلف؟!
إلى متى نبقى نلعن التعصب ونمقت العصبيات القبلية والمناطقية والنزعات المحلية بأنواعها ونشكو من عودتها وبقوة إلى مسرح الحياة السياسية، وهي التي لم تغادرنا أساساً وبقت كامنة في المخزون النفسي للأفراد والجماعات ونستدعيها حسب الحاجة وعند الضرورة لتكون طوق نجاة وسلاحاً في وجه الآخر، وهي القاعدة اللعينة المتاحة للجميع وضد الجميع ويدفع ثمن فعلها الجميع؟!
إلى متى يبقى العقل الوطني كسيحاً وعاجزاً عن فتح ثغرة تاريخية واسعة في جدار التخلف المتصدع أساساً بفعل عوامل وظروف فاعلة متعددة الأشكال والمصادر لنعبر منها إلى رحاب الغد الذي يليق بنا وتستحقه أجيالنا بدلاً من أن نلعن الظلام ونعلق فشلنا على شماعة الظروف والمؤامرات التي ننساق وراءها أو نصنعها بأنفسنا ولأنفسنا ونعجز عن إشعال قناديل الضوء ومصابيح النور والتنوير لتنير لنا بسطوعها الطريق الصحيح الذي تُهنا في البحث عنه وفقدنا بوصلة السير إليه وعليه، أو نجعل من ذلك حجة لعدم وضوح معالمه لنستمر في التوهان ونبقى نستجر الماضي وندعي بأننا ننتمي إلى العصر ونحن نسبح عكس تياراته المعاصرة والتي لن يقوى على مواجهتها طويلاً أو صدها أولئك المتمترسون خلف أسوار الماضي وإرثه المتخم بالآلام والمعاناة الملونة، وسينتصر العقل حين يفوق من غيبوبته المؤقتة، وينتصر الجميع للوطن والمواطنة حين نهزم العوامل الكابحة للانطلاق نحو المستقبل ونحرر أنفسنا من ظروف البيئة الاجتماعية التي نعيشها، وتسهل عملية الاستجابة المنفعلة والمتفاعلة سلباً مع نداءات الماضي الذي لم ولن يرحل دون مقاومة وطنية وثقافية وعلمية وبمضمون تاريخي فاعل متعدد الأبعاد والميادين والأدوات في حياة المجتمع؟!