صورة ‘‘جمال عبدالناصر‘‘ في الرواية المصرية : ‘‘حبيب الجماهير‘‘ أم ديكتاتور‘‘ وسبب مشاكل مصر ؟

2018-07-18 11:05
صورة ‘‘جمال عبدالناصر‘‘ في الرواية المصرية : ‘‘حبيب الجماهير‘‘ أم ديكتاتور‘‘ وسبب مشاكل مصر ؟
شبوه برس - متابعات - القاهرة

 

*كتب / محمد شعبان

يتباين حضور جمال عبدالناصر في الأعمال الروائية والقصصية، بتباين المرحلة الزمنية التي كُتبت فيها، والتوجهات السياسية السائدة حين كتابتها، فضلاً عن اختلاف الموقف الشخصي للروائي من الرئيس المصري الأسبق.

في ظل وجود عبدالناصر في السلطة كان من الصعب على الروائي أن يتناوله بصورة مباشرة، خاصة لو كانت أراؤه سلبية سواءً حيال شخصه أو حيال المرحلة، وذلك بسبب تراجع مناخ الحريات.

لذلك، يقول الناقد الأدبي ومؤلف كتاب "الحلم والكابوس/ جمال عبدالناصر في الرواية المصرية" مصطفى بيومي :

إن الروائيين كانوا يتطرقون للرئيس الراحل عبدالناصر بنوع من التحايل ، لكن حرية الحديث عن عبدالناصر أُتيحت بعد رحيله. ويرجع بيومي ذلك إلى أن الرئيس أنور السادات كان يشجع على هدم هالة سلفه والانتقاص من تجربته وتسليط الضوء على ما يراه سلبيات في المرحلة الناصرية.

و"كانت فترة السبعينيات أقرب إلى فترة تصفية حسابات بين بعض المفكرين والروائيين وبين العهد الناصري، وفي نفس الوقت فترة شهدت دفاعاً عن المرحلة التالية"، كما يقول بيومي .

وحدث الهجوم على الحقبة الناصرية من خلال شخوص الرواية. ويشرح بيومي " إن الكاتب كان يثير نوعاً من الجدل حول الفترة الناصرية، ويتيح لشخصيات تبنّي آراء تهاجمه وأخرى تدافع عنه، لكن الآراء المدافعة تنطلق عبر شخصيات هشة وضعيفة".

وظهر ذلك بشكل واضح، بحسب بيومي، مع إحسان عبدالقدوس الذي "كان نموذجاً لتطويع نفسه مع التحولات السياسية، بمعنى أنه أدرج في رواياته بعض الأكاذيب التي افتقدت للدقة التاريخية بهدف الإساءة إلى عبدالناصر بعد وفاته رغم أنه مدحه قبل ذلك في روايات عديدة".

 

وبرأي بيومي، فإن "الأعمال التي كُتبت خلال العقدين الأخيرين ربما تكون أكثر موضوعية مقارنة بما قبلها، لأن عبدالناصر بعد مرور ثلاثين عاماً أو أكثر تحوّل إلى تاريخ ومن ثم جاء تناول الروائيين له بعيداً عن الآراء الذاتية، وأقرب إلى سرد وقائع تاريخية تم التدقيق فيها، وقد يتناول الروائي أحداث رواية مستلهمة من واقعه الحاضر لكن هذه الأحداث تمتد بجذورها إلى الفترة الناصرية".

 

*نجيب محفوظ... نقد ساخر*

 

لم تتطرّق الروايات والمجموعات القصصية التي نشرها نجيب محفوظ في فترة حكم عبدالناصر إلى الحديث عنه بشكل مباشر، لكن الأمر لا يعدم بعض الإشارات غير المباشرة التي تتناثر في ثنايا تلك الأعمال، حسبما ذكر بيومي في كتابه .

مثلاً، ترصد رواية "ثرثرة على النيل" التي صدرت عام 1966 انفراد الضباط بالسلطة واستبعاد معارضيهم من الساحة السياسية، وامتداد آثار ذلك إلى المواطنين الذين استسلموا لفكرة عدم جدوى الاهتمام بالشأن العام. ولعل هذا ما يعنيه الممثل السينمائي رجب القاضي عندما يقول لصديقته سناء في إحدى جلسات الحشيش: "لا تقلقي يا نور العين، فالدولة منهمكة في البناء، ولديها ما يشغلها عن إزعاجنا".

بعد هزيمة 1967، سمح النظام بهامش من الحرية للتنفيس عن غضب الجماهير، فظهرت أعمال روائية تنتقد مرحلة ما قبل النكسة دون ذكر اسم عبدالناصر.

وبحسب بيومي، امتلأت "ميرامار" بنقد ساخر لثورة يوليو من القوى المحسوبة على اليمين، بينما ظهر ممثل تنظيم الثورة كنموذج للانتهازية، وبدت الطبقات الشعبية مؤمنة بالثورة ومغرمة بزعيمها.

وحضر هجوم محفوظ على عبدالناصر بعد وفاته في "الباقي من الزمن ساعة"، وفيها يتخذ الإخواني محمد حامد موقفاً مهاجماً للنظام الناصري، لكنه، بسبب شيوع حالة الخوف العام، لا يأمن أن يفضي بما في نفسه حتى أمام ابنيه اللذين يشيدان بالزعيم ومآثره.

وفي "الكرنك"، قدّم محفوظ شهادة مؤلمة عن أزمة الديمقراطية التي وصلت إلى ذروتها بهزيمة يونيو. وفيها، يظهر أغلب المترددين على المقهى والعاملين فيه كأشخاص يدينون بولاء للثورة وزعيمها، وتظهر مجموعة الشباب الجامعيين كالفئة الأكثر إخلاصاً.

لكن المفارقة المثيرة للدهشة هي أنهم يتعرضون للاعتقال والتعذيب الشرس، وتطالهم اتهامات متناقضة بالانتماء إلى الإخوان المسلمين أو الشيوعيين، كما ذكر بيومي.

 

*إحسان عبدالقدوس... تحوّل بعد موت الزعيم*

 

بعد ثورة يوليو، توالت إصدارات إحسان عبدالقدوس دون إشارات مباشرة إلى عبدالناصر، مع ظهور بعض الإيحاءات عن الثورة في رواية "في بيتنا رجل".

وفي "أنف وثلاث عيون" يظهر عبدالناصر عبر حوار عابر، عبر رحاب، الفتاة اللبنانية التي تحبه بدون أن تولي اهتماماً جدياً بالسياسة، وبدون أن تأبه لغضب عائلتها التي تقيم معها في مصر من توجهاته الاقتصادية، بحسب بيومي.

لكن الاهتمام بعبدالناصر يبرز أكثر في رواية "لا شيء يهم". يختلف الأصدقاء الثلاثة محمد وحلمي وتوفيق جذرياً في الموقع الاجتماعي ويمتد تباينهم إلى رأيهم بعبدالناصر وثورة يوليو، في إشارة إلى اختلاف فئات الشعب المختلفة حولها.

محمد سلبي لا يملك رأياً واضحاً في ما يدور حوله، بينما يمثل توفيق نموذجاً للانتهازي المتسلق ويرى أن الرئيس يسير في درب لا يعترف الواقع به، أما حلمي فهو حالم رومانسي يؤمن بزعامة عبد الناصر وقدرته على تحقيق أحلامه.

ولكن بعد وفاة عبد الناصر، تغيّرت الأمور كثيراً، فكتب عبدالقدوس "الدراجة الحمراء" ومجموعة "لا أستطيع أن أفكر وأنا أرقص" و"حتى لا يطير الدخان"، و"آسف لم أعد أستطيع"، وفيها يتهم عبدالناصر بالديكتاتورية وقمع الشعب ومحاولة تصدير الثورة والتدخل في شؤون الدول.

 

*عبدالرحمن الشرقاوي... الملاذ والثورة المضادة*

 

تتوقف رواية "الفلاح" التي كتبها عبدالرحمن الشرقاوي بعد هزيمة 1967 ونشرها عام 1968 أمام الصراعات السياسية والاجتماعية خلال ذروة فترة الازدهار الناصري، ويظهر فيها أن الزعيم المحبوب الذي يناصر الفقراء لا ينفرد بالسلطة، كما يبدو للوهلة الأولى، فهناك مَن يشاركه ويعرقل أحلامه ويتبنى أفكاراً مغايرة للخطاب الرسمي والتوجه المعلن.

لذا يشن الشرقاوي هجوماً عنيفاً على بعض آليات النظام وأعلام الثورة المضادة الذين يدّعون تأييد الرئيس ولكنهم لا يمثلونه ويحوّلون التنظيم السياسي الوحيد إلى معقل لإفساد أحلامه.

رزق بك مثلاً لا يخفي عداءه للاشتراكية وأحلام التغيير الاجتماعي ويفرض على المحيطين به أن ينادونه بلقب "البك" الذي اندثر مع نهاية العصر الملكي، ومع ذلك تُوكل إليه مهمة قيادة التنظيم السياسي الذي يستهدف الوصول إلى بناء المجتمع الاشتراكي، فلا يتورع عن ممارسة السيادة على الفلاحين مسلحاً بالتعالي الطبقي، ويصل به الأمر إلى صلب سالم على نخلة وضربه بالكرباج لأنه يخاطبه بـ"سي رزق" بدلاً من "رزق بك".

 

*بهاء طاهر... الحلم الناصري*

 

بينما تخلو مجموعات "الخطوبة" و"بالأمس حلمت بك" و"أنا الملك جئت" و"لم أعرف أن الطواويس تطير" لبهاء طاهر من الإشارة الصريحة المباشرة إلى عبدالناصر والثورة، تنشغل رواية "شرق النخيل" ببدايات عصر السادات، حين يلجأ معارضوه إلى استعادة الحلم الناصري. يودع سمير حياة اللهو واللامبالاة، ويقبل على قراءة الميثاق وخطب عبدالناصر، في سياق البحث عن مرجعية تاريخية ورؤية وطنية بديلة.

لكن الوجود الحقيقي والمؤثر لعبدالناصر يبرز في "قالت ضحى" و"الحب في المنفى" ومجموعة "ذهبت إلى شلال" و"نقطة النور".

وبحسب بيومي، نجا طاهر في هذه الأعمال من لعنة الضجيج والإسراف وقدّم شهادة عميقة من خلال تنوّع لافت ضم ناصريين مثاليين، وانتهازيين بلا مبدأ، وأعداءً للزعيم وتوجهاته، فضلاً عن طائفة لا يُستهان بها من اللامبالين السلبيين.

 

*علاء الأسواني... جذور الفساد والقهر*

 

يعمد علاء الأسواني في روايتيه "عمارة يعقوبيان" و"شيكاغو"، ومجموعته القصصية "نيران صديقة" التي تتصدرها روايته القصيرة "أوراق عصام عبدالعاطي"، إلى تقديم شهادة متعددة الأبعاد عن الناصرية.

لا أحد يدافع عن التجربة الناصرية، والأقلية المتعاطفة مثل زينب عبدالرحيم في "شيكاغو" لا تندفع في التأييد والإعجاب بلا تحفظات وتجاهر بإعلان الاستياء من غياب الديمقراطية والتأسيس لفكرة الحكم العسكري.

وإذا كان الأسواني يعادي عصر الرئيس الأسبق حسني مبارك بلا هوادة في روايتيه، فإن القارئ لن يجد صعوبة تُذكر في اكتشاف أن الكثير مما يؤاخذ الكاتب مبارك عليه ليس بنظره إلا امتداداً منطقياً لما كان سائداً في العهدين السابقين عليه.

 

*عمرو عبدالسميع... بقايا المرحلة*

 

رغم أن الغلبة في الزمن الروائي لـ"أنا والحبيب" التي نُشرت عام 2010 تميل إلى مرحلة السبعينيات، إلا أن عمرو عبدالسميع يقدّم خلالها شهادة عن ثورة يوليو وعبدالناصر، باعتبار أن جذور الأحداث تتشكل في رحم الحقبة الناصرية وتفرض على الشخوص انجذاباً إليها، أو نفوراً منها، بحسب بيومي.

تبرز الرواية الشعبية الجارفة لعبدالناصر عند الغالبية العظمى من فقراء المصريين الذين يؤمنون بأحلامه. في أعماق الصعيد كانت الشقيقتان "إجصية" و"حسنات" تتابعان أخبار الثورة ومعاركها: "وبدا لهما ذلك الريس مثل بطل من نجوم السير الشعبية". ويتطور وعي حسنات بفضل تعليمها الجامعي، لتقترب من الانتساب إلى تنظيم ناصري، بينما لا تبارح شقيقتها خانة الإعجاب الشعبي.

الأمر نفسه يحصل مع صادق عبدالرحمن العطار، مدرس الرياضيات وزوج حسنات. هو ناصري ومثالي ويتشبث بالمرحلة المتآكلة. لكن ابنته إيمان لا تواصل السير على درب أبيها بسبب الإفرازات الاجتماعية المختلفة، حتى أنها تقيّم والدها ووالدتها وخالتها تقييماً قاسياً. كتب: "أتت إيمان بلائمة مرة كالعلقم على أهلها وقد رأتهم يعيشون خارج الزمن متصورين أنهم ما زالوا في عصر الاشتراكية، وتأميم القناة، والإيمان بالناس الذين تجمعهم صورة تحت الراية المنصورة".

 

*أحمد مراد... خطايا النظام*

 

تُبدي رواية أحمد مراد "تراب الماس" اهتماماً كبيراً بهزيمة يونيو 1967 وتداعياتها الكارثية. مدرس التاريخ حسين حنفي الزهار شاهد على الفجيعة، فهو يُستدعى إلى الخدمة العسكرية مجدداً قبل أسبوعين من حرب يونيو، "حين أعلنت القيادة السياسية عن رحلة صيفية لتل أبيب، شاملة وجبة ولعبة الكراسي الموسيقية وعرض الساحر"، وكأنها نزهة محسومة النتائج.

قبل عشر سنوات من الهزيمة، قتل حسين حنفي اليهودي المصري ليبيتو، بتهمة خيانة الوطن في حرب 1956، وفي الخيال بعد ذلك تصدى لصانعي الهزيمة: "قتلت بعده ألف شخص... في مخيلتي... قتلت أسياد يوليو ويونيو واحداً واحداً".

 

*خالد إسماعيل... تجربة ليبيا*

 

من ليبيا، يقدّم خالد إسماعيل في رواية "26 أبريل" قراءة غير تقليدية للتجربة الناصرية، بعد أن سعى معمر القذافي لاستنساخها في بلاده رغم اختلاف ظروف البلدين التي لم تكن تسمح بذلك، ما أدى إلى تحوّل النسخة الليبية إلى نسخة رديئة منها.

يروى إسماعيل أنه ذهب إلى ليبيا للعمل في عدة صحف، واستطاع بحكم موقعه التعرف على الأوضاع هناك والتي كانت تنبئ بثورة قادمة لا محالة، فقرر سرد كل ما رآه في عمل روائي وكان ذلك في عام 2007.

ويذكر أن عشقه القديم لعبدالناصر قاده إلى الإعجاب بالثورة الليبية في سنوات المراهقة والشباب المبكر. "كنت أستمع إلى إذاعة صوت الوطن العربي الكبير، صوت اللجان الثورية، وكانت تقدم برنامجاً اسمه ‘صوت عبدالناصر’ وأنا في تلك السن كنت أعشق عبدالناصر، وكانت الإذاعة تستخدم قاموساً ثورياً كله هجوم على الإمبريالية والاستعمار والصهيونية، وعندما وقع الهجوم الأمريكي عل ليبيا، أصبحت من أشد أنصار الثورة الليبية الوطنية القومية المعادية للاستعمار والصهيونية".

غير أن هذا التعلق لم يدم كثيراً عندما حاول القذافي أن يلعب دوراً يتجاوز قدراته وإمكانياته السياسية والفكرية، ليبدأ إسماعيل بعد ذلك في إعادة حساباته، ورصد في روايته التطبيق المترهل للناصرية في ليبيا، كما رصد القمع والديكتاتورية وحكم العائلة وتحلل بنية النظام السياسي.

 

*أمنية طلعت... جيل التسعينيات*

 

في "طعم الأيام"، ترصد أمنية طلعت إحباطات جيل التسعينيات الذي تربى على أفكار عبدالناصر سواء من خلال الآباء الذين عاشوا مرحلة الستينيات أو من خلال مراحل الدراسة الابتدائية والإعدادية والثانوية.

تفسر طلعت اختيارها لهذا الجيل تحديداً باعتباره المحطة التي كُسرت عندها أحلام الناصرية، خاصة القومية العربية بعد احتلال العراق للكويت وتحرير الكويت عبر قوات أجنبية شاركت معها كتائب عربية، ليبدأ بعدها العرب مرحلة من التشرذم.

تبدأ طلعت الرواية من عام 1990، أي بعد الغزو العراقي للكويت ودخول جيل التسعينيات إلى الجامعة وتنتهي عام 2003 عندما وقع الغزو الأمريكي لبغداد. وخلال الأحداث يُستدعى عبدالناصر من خلال الخيبات المتتالية لشخصيات الرواية الذين تربّوا على أفكاره وهم يرون تحلل فكرة القومية العربية وانهيار القضية الفلسطينية باتفاقية أوسلو 1994، وكل ذلك يمر من خلال ست شخصيات ينتهي بها الحال إلى الموت أو التحوّل إلى مسخ .

 

*مع تحيات جروب مجلة يافع : محمد ناصر العولقي