■ هلسنكي .. في عالم متعدد !؟.

2018-07-16 14:26

 

□ يلتقي اليوم الرئيسان .. الامريكي ترامب بنظيره الروسي بوتين في العاصمة الفنلندية ـ هلسنكي ، في ظل متغيرات وتنافس قوى دولية لم تعد كما كانت عليه يوم اجتمع الرئيس الامريكي : فورد بالزعيم السوفييتي : بريجنيف 1975.. يومها كان العالم ثنائي القطبية ، الامر الذي احدث ذلك الاجتماع انفراجا في العلاقات الدولية وبذات في القارة الاوربية ، التي كانت منقسمة بين حلف وارسوا و حلف الاطلسي فضلا عن انقسامها الايديولوجي بين الاشتراكية بزعامة الاتحاد السوفييتي و الرأسمالية بقيادة الولايات المتحدة .. لينتقل صراع القطبين الي القارات الاخرى التي خاضت دولها وشعوبها حروب بالوكالة انهكت الاتحاد السوفييتي ، وادت الي انهيار الكتلة الاشتراكية و لم يفلح قبول الرئيس السوفييتي : غورباتشوف باجتماعه الثاني في " هلسنكي " مع الرئيس بوش ـ الاب عام ،1990في اقاف انهيار الكتلة الاشتراكية عند حدود الاتحاد السوفييتي ، الذي اعلن في اعقابه بوش النظام العالمي الجديد .

ذلك النظام الذي لم تكن ملامحة واضحة في ظل ازمة احتلال العراق لدولة الكويت ، وان كانت احد ملامحة قيادة امريكا للمجتمع الدولي في عملية تحرير الكويت هي اول ملامح عالم احادي القطبية ، فقد جاء اجتماع الرئيسان : كلينتون و يلتسن في هلسنكي 1997 لتأكيد زعامة امريكا للعالم و تعزيز استقلال الجمهوريات المستقلة عن الاتحاد السوفييتي ، و هو الاجتماع الذي خرجت منه روسيا بالحفاظ على ما تبقى من الاتحاد الروسي فقط .. والتراجع الي دور الدولة الثانية و على قدم المساواة مع بريطانيا و فرنسا و الصين بل والهند التي وصل الي الحكم فيها حزب جاناتا ـ القومي ، لينتهز الفرصة الرئيس كلينتون في مارس 2000متجاوزا المواقف الامريكية من التجارب النووية الهندية ، و قام بالزيارة التي اعلن خلالها رئيس وزراء الهند : بيهاري ناجهايى ترحيبه بقوله : الولايات المتحدة والهندية حليفين طبيعيين ليقابلها الرئيس كلنتون بقوله : امريكا ترحب بقيادة الهند للمنطقة و العالم ، كان ذلك على حساب علاقات و تحالفات هندية وامريكية في المنطقة و العالم .. ومن دون شك كان ذلك يزعج قوى عالمية واخرى اقليمية ناشئة او متطلعة الي كسر نظام القطب الواحد ، ومنها الباكستان و الصين التي تتطلع الي دور عالمي و الي جارها في الشمال " الاتحاد الروسي " الغارق في فساد حكم بوريس يلتسن وانتخاباته التي ستجري في مايو من العام ذاته ، وهي الانتخابات التي اتت برئيس الوزراء فلاديمير بوتن الي سدة الرئاسة في الكرملين ، هذا الرجل الذي باشر عملية التغيير و محاربة الفساد منذ تسلمه لرئاسة الحكومة ليس نسخة من يلتسن و لا من مجموعته رغم اختياره له في اغسطس1999 ، يومها لم تكن شخصية بوتن معروفة للشعب الروسي فضلا عن العالم الخارجي ، فالرجل الاتي من لجنة الامن القومي ، وكان يرأس مكتب الكي جي بي في برلين زمن قطبيتي التحاد السوفييتي و الولايات المتحدة ، اتى وهو يعرف اسباب انهيار نظام القطبين و تراجع روسيا الي المرتبة الثانية التي تسببت في نظام القطب الواحد .

□□ كان بوتن نتاج مرحلة الحرب الباردة .. و من خلال موقعه على راس لجنة الامن القومي ، كان قد شخص اسباب ذلك التراجع ،الداخلية و الخارجية ، فبداء بالداخلية و بالإصلاحات السياسية و الاقتصادية ، لتبدا ملامح ادارة جديدة في دولة تمتلك موارد طبيعية و بشرية هائلة و للعالم كثير من المصالح معها اكثر منها مع الولايات المتحدة ، فكانت اول مواجهاته لها و لأروبا المتململة و المتطلعة الي دور يحررها من الهيمنة الامريكية ، او على الاقل يفرضها شريكة لها فرصة لاختبارها في الاستيلاء على جزيرة القرم و استعادتها من اكرانيا التي ذهبت بعيدا في علاقاتها الغربية الي درجة قبولها بإعطاء امريكا تسهيلات عسكرية تمهيدا لانضمامها الي" النيتوا " و الاتحاد الاوربي ، حيث كانت اجراءات ذلك جارية ،و لم تعد المسالة الا قضية وقت و معايير طلبها الاتحاد الاوربي و اخرى سرح بها اندراوس راسموسن امين العام حلف شمال الاطلسي ـ نيتوا ـ يومها ، في الوقت الذي صرفت تركيا النظر عن الاتحاد الاوربي وان ظلت في النيتوا .. لتقترب اكثر من الاتحاد الروسي ، رغم تقاطع سياساتها في سوريا و العراق مع الروس .. ويعد هذا اختراق روسي ـ سياسي و اقتصادي و عسكري في واحدة من اهم دول النيتوا ، فضلا عن اهمية موقع تركيا الجغرافي في " اوراسيا " الاستراتيجي و الاقتصادي لأنابيب الغاز و النفط الروسي .. هذا دون شك لا يقلق الرئيس الامريكي فحسب بل و الدولة الامريكية العميقة في واشنطن .. وهو قلق، لم يمنع الرئيس ترامب عن تصريحاته المثير ، التي حدد من خلالها خصوم امريكا في ثلاثة ـ روسيا ، الاتحاد الاوربي و الصين ، فهل كان ترامب يبرر الفشل للقاء هلسنكي الروسي ،2018 مبكرا ام يدعوا روسيا لاتفاقية تحد من دور القوى المتطلع الي ادوار الصف الاول على مسرح السياسة الدولية ؟.

□□□ سؤال ستظل اجابته معلقة على درجة تراجع نظرة بوتين الي ان العالم لم يكن في يوم من الايام عالما واحد ، وان موسكوا لم تفهم اصرار امريكا ترامب على احادية قيادة العالم ، وكما العالم متعدد القوميات و متداخل المصالح على امريكا القبول بعالم متعدد الاقطاب حتى تظل واشنطن و موسكوا في مقدمة قواه اذا لم نقل قيادة اقطابه ، وهذه نظرة تخالف تطلعات ترامب ، وربما تطلعات الدولة العميقة في واشنطن ، التي لا اعتقد ان الرئيس ترامب يتحرك خارج اهدافها ، وان بداء لنا عكس ذلك ، فما يبدوا على السطح لا يعكس ما يجرى في مكاتب البنتاغون و الخارجية و دهاليز مباني لنقللي .. المهم ننتظر ما سينتج عن "هلسنكي 2018" و هو بكل تأكيد سينعكس سلبا او ايجابا على منطقتنا العربية من الشرق الاوسط ـ الجديد ـ في عالم متغير الاوضاع ، متعدد القوي و المصالح المتقاطعة .. ننتظر ؟!

 

*عضوا مجلس حضرموت .. كاتب وناشط سياسي .