ثمة كم كبير لا حصر له من الوثائق والمراسلات والمذكرات الشخصية والرحلات والكتب والأعمال الأدبية والفنية الأجنبية التي تناولت الجنوب من جوانب عدة ورصدت مجريات الحياة فيه في الماضي فضلا عن البحوث والأطروحات العلمية والمقالات والدراسات الأجنبية المنشورة وغير المنشورة حول الجنوب وهو كم لا يمكن الاستغناء أو التغافل عنه أو تجاوزه لدى كل من يريد معرفة وقائع ومجريات التاريخ الحقيقي والصورة العامة الحقيقية للجنوب في كافة مجالات الحياة بما في ذلك حتى العادات والتقاليد والفلكلور بشتى أنواعه وأشكاله .
وقد بقي هذا الكم الذي لا حصر له على مدى قرون وحقب ومايزال مجهولا وموزعا في مكتبات وإرشيف عواصم غربية عديدة وبعيدا عن أيدي وعيون الباحثين والدارسين والمهتمين في الجنوب إلا النزر القليل القليل منه الذي يمكن أن نشبهه بعتبة الباب بالنسبة لقصر واسع الأرجاء ، وهو تشبيه نورده لكي يستنتج المرء مستوى المعرفة التي نحملها في أذهاننا عن ماضي وواقع الجنوب وكمية الغياب الذي مايزال مخيما في وعينا وينقصنا لتشكيل صورة حقيقية أو قريبة من الحقيقة للجنوب .
ومع أن بعض ما ورد في ذلك الكم الأجنبي الهائل من الكتابة حول الجنوب قد يحتوي على مبالغات أو مراوغات أو معلومات غير مؤكدة إلا أن كثيرا منه مهم وجوهري وفي كل الأحوال فإنه وكما ذكرت آنفا لا يمكن الاستغناء أو التغافل عنه أو تجاوزه بل وحتى ذلك الذي يشتمل على المبالغة والمراوغة سيكون له فائدة كبرى في اكتشاف الصورة التي يحملها الفكر والوعي الأجنبي عننا والأهداف الخفية التي تقف وراء اهتمام الأجنبي بالجنوب ولذلك فإن عدم الإلمام والمعرفة والتوثيق والترجمة لذلك الكم الهائل يجعل كل الأعمال العلمية والأكاديمية والتسجيلية المنجزة من قبل الكتاب والباحثين والمهتمين بالجنوب ناقصة وبعيدة عن الحقيقة أو ملامسة الواقع القائم ومجريات الأحداث والأوضاع في الجنوب .
إن الضرورة تقتضي مشروع ريادي وطني حكومي أو أهلي أو جماهيري يتمحور أهدافه واختصاصه بتولي جمع وتوثيق وترجمة ذلك الكم الأجنبي الهائل الذي يتناول الجنوب في كافة مجالات الحياة ليسد فجوة واسعة من الغياب المعرفي ويشكل قاعدة بيانات جوهرية لكل باحث ودارس ومهتم بالجنوب وتاريخه وماضيه وواقعه ويجيب على أسئلة لا متناهية مازالت تلح وتبحث عن إجابات .