يتساءل الناظر إلى الوضع الجنوبي بعين العدالة من الوهلة الأولى عن حظنا العاثر من تلك الأزمات المتراكمة التي أرهقتنا في تاريخنا الحالي والمعاصر.. يمكن لنا تصنيفها إلى احتلال خارجي وداخلي، وحروب أهلية وإقليمية وصراعات وتدخلات أجنبية، وتقاطع للمصالح الدولية للدول العظمى، علاوة على ذلك تنافر المصالح بين جماعة وأخرى، زيادة على ذلك مصالح دول الجوار وتغاير بعض الرؤى السياسية بالتعامل مع المستجدات وعدم التحليل الواقعي للوضع الجنوبي.. وهناك فئة من شعبنا صامتة وأخرى تفضل عدم التماشي مع تطلعاتنا كشعب وعدم المقارعة بالسياسة في المجال الدولي والتقوقع الداخلي، كل هذا يسهم في تغذية المفارقات التي تؤثر على حسم الأمور.
بما أن السياسة ليست حكرا على أحد، فكل مواطن جنوبي له حق المشاركة في صنع مستقبل بلاده، إما عبر المشاركة بالرأي أو أن يؤدي دوراً معيناً في عملية صنع القرارات السياسية، ويراقب هذه القرارات بالتقويم والضبط عقب الإجماع عليها.. لكن هناك أسئلة نقدمها للقارئ الكريم: هل هذا الوقت مناسب لمزيد من الاختلافات والكيانات الجنوبية؟ أليس هناك مجلس انتقالي أجمع عليه الجنوبيون، ويحظى بقبول إقليمي ودولي، ويتسم بالنزاهة والإخلاص لهدف الاستقلال أيضا، على الرغم من بعض الملاحظات؟ ألم يمنحه الشعب الجنوبي تفويضاً؟
ما يحدث الآن في الجنوب من قبل البعض يفتقر إلى الحنكة السياسية والتدبير الحكيم والشورى والتفاهم الجنوبي-الجنوبي، لأن ذلك مطلبا في المرحلة القادمة، وإلا كيف نسوق قضيتنا في المجتمع الدولي مادام المجتمع الحالي لا يفهم إلا لغة المصالح ولا يعرف إلا مصلحته الفئوية. ألا يجب أن نعرف مصالحنا العامة؟ ونقدم مصالحنا على مصالح الغير، ونهيئ أنفسنا للاستحقاقات السياسية للمرحلة القادمة. بل إن بعض السياسيين يظنون أن التبعية سواء للداخل أو الخارج تنفعهم، ونحن نقول لهم مرحلة التبعية انتهت ونريد أن نتخلص منها في الجنوب في أسرع وقت ممكن، وإلا سنظل نترنح فيما تبقى من أعمارنا في (مسافة السكة).
من المؤكد أن هناك تعاطفا معنا يتشكل في بعض الدول الغربية والعربية والخليجية منها تحديدا، وسنحصل على الدعم، ويتفق الجميع على مبدأ الاستفتاء وترك مصير الجنوب في يد أهله، بعد أن عجزت القوة عن فرض الوحدة، وبات الجميع يعرف أن التعامل الأخلاقي والإنساني هو المطلوب في القضية الجنوبية بعد نضال طويل امتد لعقود من الزمن.. يحق للمواطنين هنا أن يستعيدوا دولتهم كما كانت أو كيفما يريدون، وواجب الأشقاء الشماليين الأدبي أن يعتذروا لنا عن الأيام الخوالي التي عوملنا فيها بظلم، لا أن يتهمنا أحد بالتآمر ويصفنا بالتخوين، وذلك لكسب ودّ شعبنا من أجل إقامة علاقة أخوة وصداقة في المستقبل.
صبرنا كثيرا على الفوضى والدمار والظلم والحرمان، وعندي إحساس بأن الجنوب ستعود أفضل مما كانت عليه في الأول بفضل رجالها الأبطال.. والنصر المؤزر لشعبنا الأبّي الكريم، ولأبطالنا الأشاوس في مختلف الجبهات، فالشجاعة صبر ساعة والنصر قادم لا محالة بإذن الله.
أخيرا.. كيف لشعب الجنوب أن يعيش الجوع والمهانة ويملك من الخيرات ما يؤهله لأن يكون أغنى شعب على وجه الأرض؟