كل أسبوع تمزقني الحسرة عندما أهم بدخول المسجد لصلاة الجمعة.. خطيب يعتلي المنبر ليعيد علينا دروس سنة أولى ابتدائي.. ومصلون يظنون أن الحكمة من صلاة الجمعة هي (البحلقة) في الخطيب إلى أن يصل (ولذكر الله أكبر) فيقومون بتثاؤب ليركعوا ركعتين.. ثم يتزاحمون في باب الخروج كل يريد أن يسبق الآخرين في الخروج من المسجد.
نحن نظلم الإسلام بمثل هذه الطقوس التي تفرغ العبادة من حكمتها، وتحولها إلى مجرد عادات وتقاليد تؤدى بمنتهى العفوية والـ (لا) تفكير.
سؤال يحيرني؛
لماذا لايصعد المنبر إلا صاحب لحيه أليست خطبة الجمعه لمناقشة أوضاع المسلمين لأسبوع مضى .
لماذا لا يصعد المنبر مسؤل فيحدثنا عن الامانه والنزاهه والشفافيه ويحث المصلين على الحفاظ على الممتلكات العامه والانضباط بأوقات الدوام الرسمي او يصعد طبيب ليحدث الناس عن الكوليرا، وكيف يتجنبوها؟، أو ضابط بلباس الجيش يكلم الناس عن التضحية من أجل الوطن، والدفاع عن الأرض والعرض والشرف الوطني.. ويقول للمصلين إن العسكرية تبدأ من هنا.. من المسجد.. فما الحركات الجماعية التي تؤدي بها الشعائر إلا ضرب من (التربية العسكرية)، التي تربي الناس على الانضباط، وترقية الإحساس بالفعل الجماعي المنظم.. لماذا لايحدثنا عامل الصحه عن اهمية نظافة شوارعنا وان نتعود على وضع القمامه في الاماكن المخصصه لها لتجنب انتشار الذباب والامراض والاوبئه. لماذا لايحظ الناس على عدم ركن العربات والسيارات في الطرقات الرئيسيه ومنع البسط على منتفسات الطرق والساحات العامه . لماذ لايصعد المنبر عامل ميكانيكي يلبس (الأوبرول)، ويحدث الناس عن (أن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه..).. أو معلم في مدرسة ليشرح للناس كيف يستذكرون الدروس مع أطفالهم.
لماذا لا يصعد المنبر إلا صاحب لحية يلبس جلباباً أبيض؟، أليس ذلك (تنميط) للدين؟، وتضييق لمفاهيمه.. من قال إن منابر المساجد حكرلخطباءالدين النمطية الذين يكررون نفس الخطبه منذ14قرناً؟.
الإسلام دين يرفع من شأن العمل مهما كان، ويعده عبادة، وإتقانه تقربا إلى الله، ولرب جندي شرطي يساهر الليل كله في سيارة (النجدة) يحفظ أمن الناس أفضل عند الله من عابد يتلو ويصلي الليل حتى الفجر.
لكن مثل هذه المعاني لن يدركها الناس ما دام أن خطباء الجمعة يصرّون أن الدين هو في (كتاب الدين) المدرسي.. الذي يكررون قصصه بمنتهى الـ (لا) وعي.
الإسلام دين (عالمي) و(علمي) و(عملي).. يحضّ على التنافس في اعمار الدنيا.. ويرفع من قيم الإحسان في العمل، وحسن التعامل مع الآخر (الدين المعاملة).. لكن تخلفنا في فهم مقاصد الإسلام هو الذي يجعلنا نظن أن الدين طلاق للدنيا.. فتكون النتيجة أن يكتشف ويصنع لنا الآخرون الدواء والملابس والطعام، حتى أدوات الصلاة (المايكرفون والإضاءة وغيرها).. ونظل نحن أمة متخلفة تلتقط فتات الأمم.
*- الكاتب السوداني عثمان ميرغني