* لعل الصغير قبل الكبير صار يعرف أن القيادات السياسية طوال ستة عقود لم تبن دولة (مساواة).. لكنها كرست الأعراف القبلية المغلوطة، وهي تتبنى الفاسدين وتحكم الشعب الغلبان بصميل القمع والترهيب..
*الجاهل عدو نفسه.. ونحن شعب لم نسلك سلوك فلسفة الحق بهدف المعرفة.. ولم نتحرر من غاية السياسيين.. كما أن نظام (الوحدة) كان أسيرا لشهوة ذاتية انتقامية حمقاء.. ولم يعمل بنصيحة المعلم الأول (أرسطو)..
* تبدو تجارب اليمنيين مع الحروب عادة لا يجوز قطعها حتى لا تتحول إلى عداوة.. كما أن وجبات الاقتتال تقطع عن المواطن خيط التأمل الفلسفي، فلا يسأل: لماذا حياته قتال وحروب وكروب؟
* دأب حكام هذه البلاد على قطع أرزاق العباد.. وتعاملوا مع الشعب على أنه (فتنة) يجب وأدها، وفي غياب العدالة يمارس الحاكم طقوس تكميم الأفواة ومصادرة كل (لسان) يقول: عايز حقي..
* الحاكم العادل هو الذي يمشي في الشارع إلى جوار المواطنين دون حراسة وسيارات تطير فوق رؤوس الأبرياء..
* تابعت مقطع فيديو لرئيس النمسا، وهو يركب دراجة عادية وخلفه مواطن بسيط، قمة الوفاء بين الحاكم والمحكوم أن تكون العلاقة أساسها العدل.. لا رتل سيارات تطير في الشارع بنظام الصاروخ.. ولا قوات حرس تدنس الطريق المسفلت بالحق والعدل..
* تعالوا تأملوا في حالة الحاكم العربي، فهو يعيش في رعب من شعبه، لا يدخل الحمام إلا بعد عملية استجواب للشبشب.. الوسواس الخناس يدخله ثورة شك كلثومية، فيتصور أن الشعب عدو ظاهر يهدد بانتزاع عرشه..
* لم يتعظ الحكام العرب من درس (الفاروق) الخليفة الراشد عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) عندما كان يضع رأسه على جذع شجرة وينام هادئ البال قرير العين، بصورة دفعت رسول (كسرى) إلى القول: حكمت يا (عمر) فعدلت، فأمنت، فنمت مطمئنا برعاية الله..
* بالمناسبة ترى أيهما يسبق الآخر العدل أم الأمن؟
في تصوري أنهما متلازمان، وفي حالة تتابع منطقي، تماما كما يحدث في تعاقب الليل والنهار وفقا ومنظومة إلهية..
* العدل أساس الحكم، ودائما يأتي في المقام الأول، في غيابه تحل الفوضى، ويدخل ويسبح الأمن في بحور من الدماء.. ودائما المواطن يدفع ثمن نزوات الحاكم ونرجسيته السائدة..
* تثبيت دعائم الأمن يبدأ بترجمة العدل على أرض الواقع، ليس هناك سيدا أو شيخا على رأسه ريشة أمام العدل..
* العدل هو الذي يفرض الأمن في البلاد ، وهو الذي يخلق نظاما صارما تتساوى في كفتي ميزانه كل فئات الشعب وكل مكونات المجتمع ..
* الأمن لوحده لا يمكنه فرض هيبة نظام وقانون، دون أن يتحول العدل إلى ممارسة ملموسة يشعر بها الصغير قبل الكبير..
* نظام (الوحدة) حكم الناس بقبضة الأمن وتجاهل العدل، لذا اندلعت ضده ثورة المحرومين بحثا عن العدل قبل الأمن..
* الحاكم العادل لا يحتاج إلى حرس جمهوري عائلي يقمع الشعب ويرهبهم، ولا إلى عسس ومخبرين يحصون أنفاس المواطن البسيط الذي يكافح لتوفير لقمة يسد بها جوعه وجوع أطفاله..
* الحاكم الذي يثبت كرسيه بقوة الأمن ويحرم شعبه نعمة العدل، لن يدخل غرفة نومه إلا بحراسة أمنية مشددة..
* الحاكم الذي يظلم ويقمع شعبه ويسلبهم عدلهم، يعيش أبد الدهر خائفا من ظله، مرعوبا من سرير نومه، قلقا من سطوة الابن والزوجة..
* متى يقرأ السياسيون طلاسم الحاجة إلى نظام حكم جديد ليس فيه موقع للظالم والفاسد..؟
هل يفهم السياسيون الذين ينهبون البلد أن إحكام القبضة الأمنية على رقاب العباد نهج دموي يصادر العدل، ويدفع الناس إلى محاكاة مأساة الضحك في بيت العزاء..؟!
*- عن الأيام