عفاش والجنوبيون

2017-12-19 11:01

 

أعتقد بأن الغالبية من أبناء الجنوب العربي لم ولن يأسفوا لرحيل "عفاش" أو أحدٍ من أزلامه. أما أسباب موقفهم ذلك منه فكثيرة وواضحة.

 

فلم يكن عفاش بالرجل الوحدوي الذي يسعى لخير كل أبناء الوطن. ورغم النصح له من قبل عقلاء الجنوبيين وغيرهم بتصحيح مسار الوحدة والالتزام باتفاقياتها الموقعة بين الشريكين فيها، والأخذ كذلك بالأفضل في النظامين، فإنه لم يصغِ لنصح الناصحين، بل تمادى في غطرسته، ظاناً أن القوة والمال هما اللتان ستزيلان كل العقبات التي تعترض طريق حكمه، وبالذات في الجنوب.

 

ولكونه الرجل الأول في الدولة حينها فإنه يتحمل مسؤولية الإخلال باتفاقيات الوحدة وشن الحرب الأولى على الجنوب في صيف عام 94م، واضعاً بذلك نهاية للوحدة التي لم تدم سوى أربعٍ من السنين.

 

لم يكتفِ عفاش بضحايا تلك الحرب من الجنوبيين والدمار الذي ألحقته بالبنية التحية التي قامت عليها الدولة الجنوبية الشريك في الوحدة، ولكنه أطلق، بعدها، العنان لذئابه النهمة والشرسة لتلتهم الثروات في بر وبحر الأرض الجنوبية.

 

لقد مارس أبشع سياسات التهميش والإقصاء تجاه مواطني الشريك في الوحدة. ومارس في الجنوب أثناء فترة حكمه سياسات كرست الجهل والفقر والتخلف. وكان ذلك تمهيداً لمخططات جهنمية نفذها لاحقاً على الأرض الجنوبية، فقد تمكن بها من جعل الأرض الجنوبية مرتعاً للجماعات المتطرفة التي هي، في حقيقة الأمر، وفي جزء كبير من تركيبتها، عبارة عن جهاز أمني تابع له ولنظامه.

 

إنه المسؤول الأول عن التصفيات التي جرت لقيادات ومناضلين جنوبيين بعد التوقيع على الوحدة، كما أن جهاز أمنه القومي يعد مسؤولاً عن التصفيات التي جرت تحت مسمى القاعدة وداعش، وغيرهما. تلك التصفيات التي طالت عسكريين جنوبيين من مختلف الرتب.

 

وإن الاغتيالات التي استهدفت المدنيين الجنوبيين ما هي إلا غطاء للهدف الرئيس لذلك المخطط الرهيب، الذي يهدف إلى إفراغ الجنوب من كوادره وقياداته العسكرية المؤهلة، وجعله عاجزاً عن الدفاع عن أرضه ومواطنيه.

 

إن المعارضة المبكرة لسياسات نظام عفاش في الجنوب وتصاعد وتيرتها وتحولها إلى حراك شعبي سلمي واسع قد أفقدت عفاش صوابه، وجعلته يستخدم ما استطاع إليه سبيلاً من أسلحته لوضع حدٍ للاحتجاجات التي تقوم بها الثورة الجنوبية السلمية.

 

لم يوفر عفاش سلاحاً في مواجهة حراك الشعب الجنوبي، بدءًا بالرصاص الحي من البنادق الآلية، ومروراً بدانات المدفعية والدبابات، وانتهاءً بشراء الذمم وغرس الخونة والجواسيس في صفوفه، كما قَتَلت وجرحت الأجهزة القمعية التي تأتمر بأمره الآلاف من مناضلي الحراك الجنوبي السلمي ومناصريه.

 

ولن ينسى الجنوبيون، كذلك، أن “عفاش” بعد اتفاقه مع الحوثيين على دخول صنعاء والقضاء على معارضيه الذين أسقطوه من الحكم ويرفضون توريثه الحكم لابنه أحمد، بأنه حرض الحوثيين على شن حرب مارس 2015م على الجنوب، والتي شاركتهم فيها قوات النخبة التابعة له، مرتكبين الفضائع في الجنوب، فمن حصار جائر وقنص للأبرياء، إلى تدمير للبيوت والبنية التحتية للمدن الجنوبية التي مروا عليها أوتمترسوا بها.

 

إن تمسك عفاش بالوحدة في آخر خطاب له، والذي استنجد فيه بالتحالف والشرعية، لهو دليل على أنه لم ولن ينسى ما جناه من الجنوب، هو وعصابته من المتنفذين، من ثروة وسلطة وجاه، ناسياً أو متناسياً بأن ذلك (النعيم المُقيم) قد يزول وينتهي في لحظة من الزمن، وذلك هو ما حصل له في الرابع من ديسمبر 2017م.

 

وبعد كل ما ذُكِر في سياق ما قلناه، نرى أنه من الصعب على أي جنوبي أن ينسى ما عاناه، ويأسى على عفاش وماضيه الذي تولى.

 

حسن اليافعي