بعد مشوار طويل على درب التألق والابداع والتميز توقف الكروان الحضرمي وبتوقفه يتوقف دفق شلال الإلهام وينبوع الإمتاع ووميض الإبهار.
بعد رحلة طويلة تربع خلالها على كرسي الزعامة محتلا فيها قمة الهرم الفني اليمني والخليجي توقف الكروان الاصيل ، رحلة طويلة أستوطن خلالها حنايا ارواح محبي ومتذوقي الغناء الجميل وسكن خلالها قلوب هواة الطرب الاصيل.
بعد نصف قرن من الزمان ونيف شدى خلالها شادي الجنوب بأجمل روائع الغناء اليمني بكافة ألوانه منحته الأفضلية في الساحة الغنائية وسلمته رأية الأولوية الدائمة على سلم الابداع أعلنت إرادة الله لحظة التوقف الابدي .
مساء الأحد العاشر من ديسمبر عام 2017 رحل الاصيل أبو أصيل عن هذه الدنيا التي ملأها غناء وشعرا واحنا واشبعها جمالا وابداعا وتميزا.
رحل الفنان الكبير الذي أثراء الأغنية اليمنية والخليجية بكنز فني وغنائي كبير وثمين ضل وسيضل طويلا مصدر إلهام لكل الاجيال القادمة ومرجع ثري بالمعلومات والتفاصيل والتنوعات لكل الباحثين في مجال الفن والغناء والموسيقى.
مسيرة الفنان الكبير أبوبكر سالم بلفقية الطويلة التي أنطلقت للمره الاولى من الغناء "تريم" ونشأت وترعرعت ونمت وظهرت ملامح حقيقتها في مدينة الحب والسلام ومرتع السحر والجمال "عدن" ومنها أقلعت بجناحي الموهبة والاجتهاد نحو حاضرة الشرق بيروت ومنها إلى عروس البحر الاحمر "جدة" ومنها حلقت في سماء الخليج العربي كله وأرض العرب بكافة اقطارها .
رحل أبو أصيل الذي بدأنا طفولتنا على وقع أنغام أغنياته الرائعة وعشنا مرحلة شبابنا في رحاب نتاجه الخالد ، استمعنا إليه وغنينا وتغنينا معه ،حرصنا على متابعة جديدة مع تمسكنا الغريب بقديمه الخالد فينا.
تغنينا مع محضارياته البديعة المولودة على أيديه ورفيق دربه الغنائي الراحل حسين المحضار وطربنا مع روائع لطفي امان وحداد الكاف وفائق عبدالجليل ويسلم بن علي وغيرهم.
غنأ للوطن أمي ويابلادي واصلي وللشوق والحنين له وا ويح نفسي ويامسافر عالبلاد وللأرض ليلة في الطويلة ويازارعين العنب وللدين والروحانية أفتح الباب والى طيبة ومافي الكون.
رقصنا مع أغنياته الراقصة التي أجاد أدائها بإتقان وتمايلنا على تنوع وتمدادت صوته وتشكيل طبقاته الخرافي التي كانت واحدة من مميزات شخصيته الفنية وماركة خاصة سجلت بأسمه إلى الأبد.
أبوبكر سالم طار بنا وحلق في سماء التشويق ملهبا جذوات الشوق الى الوطن والاهل في قلوبنا هو يشدو ياطائرة طيري على بندر عدن وأغرقنا في بحر الحب والغرام عندما ردد ياورد محلا جمالك بين الورود ، أخذنا معه إلى واحات الحب وهو خاشعا في محراب الحب انا لولا عيونك عمري ما حبيت وزاد وتيرة جموحنا وهو يشدو متوددا " شلنا يابو جناحين لاعند المحب حتى في الشهر ليلة" فاوصلنا إلى مرحلة الجنون وهو يذوب عشقا مرددا "باشل حبك معي بلقيه زادي ومرافقي في السفر" وأبحر بنا بعيدا في أعماق بحار الحب عندما صدح " أعيش لك انت بس وحدك" وابكانا وهو ملتهبا شوقا وحنينا مخاطبا من احب قائلا " امتى انا شوفك" ودفعنا للبكى اكثر وهو يصرخ" الصبر لاجاوز حدودة قتل" ولم يخرجنا من دوامة الهيام عندما ردد باكيا" شوف لي حل" ولم يفقدنا الامل لانه قال ملتمسا لمن أحب العذر " حجة الغائب معاه" وأحرقنا فعلا وهو يغني منكسرا" خلاص خلي لي حالي " ويتابع بحسرة "كل شي بيني وبينك راح من قلبي وبالي" ووضعنا على ضفة الحقيقة وأمام واحدة من صور النهايات المؤلمه وهو يحكي لنا قصة حبه بروي حكايته مع الحب عبر اغنية " أحتفل بالجرح".
كثيرة هي تفاصيل رحلتنا الممتعه جدا مع أسطورة الأغنية العربية أبوبكر سالم والأكثر هي محطات الابداع والجمال التي توقف بنا فيها كثيرا ليتحفنا بفاصل ابداعي جديد يزيدنا امتاعا وتعلقا به وبفنه وخصوصيته الفنية وندرته الغنائية.
رحمك الله يامن أطربتنا ومتعتنا وأفرحتنا وأبكيتنا وشوقتنا.
تغمدك الله بواسع رحمته وأسكنك فسيح جناته والهم أهلك وذويك ومحبيك في العالم العربي قاطبة الصبر والسلوان.