سيفهمون، متأخراً، أو لعلهم سيضطرون للفهم متأخراً، عندما يفيقون على حقيقة طالما تجاهلوها، لظنهم أنها أدنى من الالتفات إليها. أعني التحالف العربي الذي يغرق في مستنقع البنية العميقة لليمن الشقيق.
*
ما حدث في 21 سبتمبر 2014 و 4 ديسمبر 2017 ليس "موغادة" سياسية حوثية مدعومة إيرانياً فقط، ولكنه أحد تجليات البنية العميقة لليمن الأعلى، تم التداول في الحدث الأول بين ولايتين: ولاية الشيخ (القبيلي) وولاية الفقيه. ضاع خلالها (الرعويون الحالمون بالمدنية السياسية) في الرِجلين. وأتى الحدث الثاني لتعميد انتقال الولاية من الشيخ إلى الفقيه، بسلاسة تثير العجب العالمي، إذ كان دم علي عفاش أرخص من دم بعوضة، مشيّعاً بصفة الخيانة، بعد خذلانٍ بدم بارد ممن كان يظن أنهم سيقيمون صنعاء ولن يقعدوها من أجل زعامته!.
*
صنعاء الشيخ والفقيه اختارت، وهي منسجمة مع اختيارها، ومحاولة فرض "شرعية" عليها لا يرضى عنها حلف البنية العميقة ستبوء بالفشل، لأن مشكلة الحلف ليست هي المشكلة التي تراها دول التحالف. ولذلك فالحرب لم تحدث بين الولايتين، فقد تحالف عفاش (الشكل السياسي للقبيلة) مع الحوثي بكل بساطة وسلاسة، ومكّنه من السيطرة على مظاهر الدولة الرسمية، ولم يسجل المراقبون أي مقاومة تُذكر ، وبعد انتفاض عفاش بالرقصة الأخيرة الدموية، لم تخذل القبيلة فقيهها سيد كهف مرّان، ولا تعويل على المؤتمر (وكالة عفاش لإدارة الفساد) ولا فرعه المفرّخ بتركيبه الديني- القبلي، ولا ما تسمى بأحزاب اليسار (الرعوية)!
*
وحده الجنوب الذي لا ولاية فيه للفقيه ولا الشيخ، لذلك كانت ثورته الأولى ضد ولاية قبيلة اليمن الأعلى، وكانت ثورته الثانية ضد ولاية الفقيه، فهما في نظره وجهان لعملة واحدة بلا غطاء، وإن ظلتا تناوران عليه عبر أدوات الأحزاب الرعوية التي لا ولاية لها في اليمن الأعلى!
*
لم تقبل الولايتان والرعويون مقترحات أطراف جنوبية من أجل السلام والمستقبل، بدءاً بوثيقة العهد والاتفاق، ثم بإصلاح مسار الوحدة، ثم فيدرالية الإقليمين، والأقاليم ... لكن رعويوها يضطرون في كل مرة للقبول بالمقترح تلو الآخر لكن بعد خراب مالطا. وهاهم يتشحططون بعد خراب صنعاء نفسها، فيما الجنوب الذي تآمروا عليه مرة بعد أخرى، ينهض ليريهم ذواتهم الشائهة في مرآة الحقيقة، على أن المفارقة أن الهاربين إلى عدن هم على النقيض تماماً من الزبيري والنعمان، بل كثير منهم ينطبق عليه توصيف (النزوح المفخخ)!
*
كل ذلك معهود، ولا يثني الجنوب عن رؤية مستقبله بمنأى عن باطنية العلاقة بين الشيخ والفقيه، لكن من سيفيق متأخراً هذه المرة هو التحالف العربي الذي لا حليف له حقيقياً على الأرض سوى الجنوب، لكنه لن يفيق إلا بعد أن يغرق في مستنقع اليمن الأعلى وبنيته العميقة، إن لم يعد قراءة المشهد بعد مصرع علي عفاش وما أثير حوله من غبار سياسي.