أنا -وأقولها بكل فخر واعتزاز- من أوائل الكتّاب الذين واجهوا بالقلم جماعة الإخوان المسلمين، وجماعة السروريين المتفرعة عنها، وهما أهم فرعين من أفرع جماعات التأسلم السياسي في المملكة, وقد دخلتُ معهم في خصومة شرسة طوال الخمس عشرة سنة الماضية، استخدموا فيها معي بخسة كل أساليبهم في تكفير المخالف، ورجمي بالزندقة، واتهموني بأنني ضد الدين؛ ومع ذلك تحملت، وقاومت، ولم أتزحزح عن مواقفي وقناعاتي قيد أنملة؛ فقد كنت مدركاً منذ البداية أنّ هؤلاء المسيسين (نصابون)، وأنهم سينفضحون حتماً، وتنكشف مراميهم المسيّسة ووسائلهم الوصولية.
والمنتمون لهذه الجماعة الإرهابية على قسمين: قسم يسعى لامتلاك المال والثروة والتذرع بجمع الصداقات وإغاثة المحتاجين، وبسبب غباء وسذاجة بعض أتباعهم ومريديهم أثروا ثراء فاحشاً، بأقل جهد وبكثير من النصب، والاحتيال والتلون، وإيهام الناس بأنهم عبادٌ صالحون، يراعون الله في القول والعمل.
القسم الآخر من هذه الجماعة، مسيّسون انتهازيون ميكافيليون حتى النخاع، يسعون إلى إقامة (دولة الخلافة)، بطريقة منهجية، طويلة المدى؛ ولتحقيقها سيطروا - أولاً - من ستينيات القرن الميلادي الماضي على التعليم العام - (ما قبل الجامعي) - وأيضاً على التعليم الأكاديمي في جامعاتنا؛ ومن خلال مُخرجات التعليم البشرية، استطاع بعضهم - ولا أقول جميعهم - على النفاذ إلى مفاصل الدولة، وسيطروا عليها بيروقراطياً شيئاً فشيئاً، وبطريقة سلسة، يغلب عليها التلون والنفاق، بحيث لا تستفز السلطات العليا. وقد تمكنوا - للأسف - بقدر كبير من النجاح في الوصول لأهدافهم. كما عملوا في الوقت نفسه للسيطرة على منابر الجُمع، وتحولت أغلب منابر المساجد في أغلب مناطق المملكة إلى منصات محض سياسية، تسمع فيها كثيراً من المماحكات السياسية، وقليلاً من الوعظ والحث على الخلق السوي؛ فصار المسجد أقرب إلى وكر للسياسة، والنقد، وتشجيع تمويل النشاطات الاجتماعية والإغاثية التي تصب في مصالحهم، وكذلك تحريض على الدولة وولاة الأمر، والحكومة، والنَّيل المتعمّد من هيبتها من خلال نقد بعض الممارسات الاجتماعية التي لا تتفق مع مراميهم السياسية البعيدة، إضافة إلى أنّ بعض المساجد كانوا يحرضون فيها علناً الشباب على الجهاد - (العنف والقتال) - ودفع المتحمسين منهم إلى شد الرحال لمَواطن الثورات والإرهاب والحروب والنزاعات بكل أنواعها، ليكونوا حطباً لحرائقها.
وكنت منذ أن بدأت بالكتابة، على يقين أنّ أغلبهم، وبالذات كبراؤهم، ليسوا طلاب علم وفقهاء دين، وإنما هم كوادر في حركات سياسية ثورجية، يتظاهرون في أقوالهم ومظاهرهم بطلاب العلم وبعضهم طلاب مال وثروة وجاه. لذلك كنت على يقين بانكشافهم لفساد نواياهم وخبث أهدافهم، فهم منافقون، كذابون، انتهازيون؛ وليس ثمة فرق بين حركة وأخرى، فحركات التأسلم السياسي كلها ملة واحدة.
فجماعة الإخوان - وهي الجماعة الأم - تنظيم سياسي محض، وهم يعترفون بذلك، ولا يخفونه، أما الذي يخفونه، وينكرونه، فهو ارتباطهم بالذراع العسكري للإرهاب، والذي تمثله القاعدة وداعش . ودعك من تبرؤهم من هاتين الحركتين العنيفتين، فهذه البراءة ليست إلاّ من متطلبات التكتيك التي تقتضيها الظروف الراهنة، أما في الحقيقة فهم منظومة متكاملة، كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً، وهدفهم واحد يتفقون عليه، وإن تظاهروا بأنهم جماعات شتى.
الخلية الجاسوسية التي تم القبض مؤخراً على أعضائها، أغلبيتهم إما إخونج أو سروريون، وكما تسرب إلى مواقع التواصل الاجتماعي، فإنّ لدى الجهات الأمنية أدلة جنائية لا يرقى إليها الشك، وتتجه بالتهمة إلى مستوى (الخيانة الوطنية العظمى)، الأمر الذي سيكشفهم قطعاً للمجتمع، ويحد من احترامهم وكذلك انتشارهم، مما سيحاصر قدرة أساطينهم على النفاذ إلى التشكلات المجتمعية.
* نقلا عن "الجزيرة"