لم يكن يوم 13 يناير 2006 الذي اعلن فيه التصالح والتسامح الجنوبي وليد لحظته وانما سبقته لقاءات وتبادل زيارات بين فرقاء الصراعات، لكن جمعية ردفان الخالدة نالت شرف الاعلان الرسمي للتصالح والتسامح الجنوبي، ولسنا بحاجة الى التذكير بالتعسف الذي طال جمعية ردفان والملاحقة التي تعرض لها مجلس ادارتها، وهي إجراءات تكشف بجلاء لكل ذي بصيرة خوف الاحتلال من مجرد تصالح وتسامح لا اكثر.. فلم تكن هناك دعوة للمقاومة ولا تخطيط لعمليات.. كان مجرد لقاء تصالح وتسامح، ومع ذلك جوبه برد عنيف من سلطات الاحتلال لانهم لا يريدون لنا ان نتجاوز آثار صراعاتنا.. وهذه بحد ذاتها تمثل رسالة لكل لبيب جنوبي باهمية التصالح الجنوبي، وبرهانات خصومنا على تمزقنا.
لم يقتصر الامر على معاقبة جمعية ردفان وملاحقة قيادتها وانما ملاحقة من حضروا ذلكم اللقاء، وحرك الاحتلال(سلاحفه) لانشاء كيانات جنوبية ترفض التصالح والتسامح لكنها كلها بائت بالفشل، وهكذا التحق كل الجنوب بركب التصالح والتسامح، بمن في ذلك فرقاء الصراعات السابقة منذ استقلال الجنوب، ومن هذا رحم التصالح والتسامح ولد الحراك الجنوبي وكان الفضل للدور الكبير الذي لعبته الايام وعطر الذكر هشام محمد با شراحيل وكل اسرة باشراحيل الذين دفعوا، هم ايضا، ثمن مواقفهم الوطنية الجنوبية برضى نفس وبنكران ذات منقطع النظير.
قبل ان يطلق الاخ العزيز احمد عمر بن فريد القسم الذي ملأ صدى ترديده افاق الجنوب(نقسم بالله العظيم ان نعتبر دم الجنوبي على الجنوبي حرام) قبل ذلك كانت الاساءة لاي جنوبي، حتى من كانوا في السلطة، ضربا من العيب وقد سمعت عطر الذكر هشام باشراحيل يقول لاحد الزملاء (تنقطع يدي لو سمحت بنشر اي إساءة لاي جنوبي مهما كان مركزه) كان تصالح وتسامح حقيقي ينذر فيه الفرد نفسه للمجموعة دون ان يسأل من اين والى اطار سياسي ينتمي.
ما الذي حدث بعد كل ذلك مما نراه ونسمعه اليوم؟ ما هذا الهذيان الذي نقرأه في وسائل التواصل الاجتماعي وفي بعض الصحف والمطبوعات الذي يخرج عن آداب الحوار ويطعن في اللحمة الجنوبية، هذه اللحمة التي يخشاها الخصم ويبذل الغالي والنفيس لتمزيقها، هل نحن فعلا عاجزون عن التعايش وقبول بعضنا للبعض الاخر ام نحن بحاجة الى (تميمة) مشعوذ او مركز للعلاج النفسي؟، فلا يوجد عاقل يستوعب ما يحدث لنا في ظل اخطار محدقة بالجنوب واهله لا تخطئها عين، والمصيبة ان بعض هذه الترهات تأتي من ادعياء ثقافة.
اين القسم الجنوبي (دم الجنوبي على الجنوبي حرام) الذي رددته جبال ووديان الجنوب قبل نساءه ورجاله، اين نحن من العهد الذي اخذه على نفسه ذلكم الطود الجبار (ابو باشا) بأن الاساءة الى الجنوبي نقيصة من النقائص، اين نحن من الدماء الزكية التي روت الارض في طول وعرض الجنوب وهي تحمل عقيدة التصالح والتسامح؟ آلاف من الأسئلة الحائرة تبحث عن اجابة.. على ان السؤال الأكثر مدعاة للحيرة هو .. هل كان التصالح والتسامح الذي ذقنا حلاوته، رغم آلام المعاناة التي اذاقها الاحتلال لكل جنوبي، هل كان تصالحاً وتسامحاً حقيقياً ام مجرد (تصفيراً للعداد!؟).