جرت العادة ان تشكل اللجان لغرض تمييع القضايا وهضم حقوق ابناء الجنوب، وهذه كانت السمة الابرز التي ميزت حكم صالح طوال سنوات الوحدة المغدورة وابلغ دليل على ذلك هي (لجنة باصرة/ هلال) الشهيرة التي ذهب تقريرها الى الادراج وكشفت تلكم اللجنة عدم جدية صالح في اعادة منهوبات الجنوب الى اصحابها، ودفع باصرة وهلال ثمن مصداقية هذا التقرير بسبب خروجهما على قاعدة (اذا تريد تعجنها لجنها) وتعاملا بجدية مع واحد من الاسباب التي حركت الشارع الجنوبي في 2007 وهي مظالم كثيرة عصية على الحصر حتى.
لجنتا (المبعدين قسرا) و (واعادة او تعويض الاراضي والعقارات المنهوبة) الذي شكلهما الرئيس هادي، كانتا خروجا على قاعدة (لجان العجين) نظرا لانهما تشكلتا من قضاة يحكمهم ضميرهم ونزاهتهم اولا، وثانيا لانهم يتمتعون بالاستقلالية التي تجعلهم خارج (زريبة الحكومة) وسوطها، وقد انجزت لجنة التعويضات مهمتها واصدرت قرارها الذي لم يجد طريقة للتنفيذ من قبل الحكومة رغم صدوره منذ ما يقارب 3 اعوام فيما لا زالت لجنة المبعدين تواصل عملها في واقع خال من السهولة واليسر والتعاون الحكومي والمجتمعي والاعلامي (حكومي او اهلي).
نظرا لمعرفتي السابقة بشخص القاضي سهل حمزة رئيس لجنة معالجة مظالم المبعدين قسرا الذي لم تمنعني معرفتي به من انتقاد اللجنة ذات يوم.. اقول نظرا لمعرفتي السابقة برئيس اللجنة وبعض من اعضاءها من قضاة وفنيين فقد طلبت موعدا لزيارتهم حسب الوقت المتاح من قبلهم وقد كان.
في طريقي الى مقر اللجنة كنت اتخيل انني ساصل الى موقع اخر من مواقع العجين التي تهمل فيها قضايا الناس وتُرمى ملفاتهم في ارضيات الغُرف، كما كنت احمل بعض الهموم التي سمعتها من كثير من المعارف وغيرهم حول قضاياهم لدى اللجنة، وبعض نصائح كانت في ذهني ناتجة عن سنوات عملي في مجال ادارة شؤون الموارد البشرية، وغيرها من الهواجس التي تخالج اي حد فينا عند زيارته لموقع ما للمرة الاولى.
واقح الحال ان ما رأيته كان مثير للاعجاب بكل ما تحمله الكلمة من معنى، قاعة صغيرة مخصصة للقضاة(رئيس واعضاء اللجنة) يراجعون واحد من كشوفات المبعدين وبالاسم، سمعت من القاضي سهل وزملائه حجم الصعوبات التي يواجهونها وعدم جدية بعض الجهات الحكومية في تفهم حجم المشكلة وهول الظلم الذي تعرض له المبعدين والمنقطعين قسراً، قال لي هناك ممن وقع عليهم الظلم من كانوا رؤسائي من تلك الهامات المحترفة، هناك زملاء دراسة وعمل وجيران واصدقاء ومعارف كان يشار لهم بالبنان، قال لي ان ما نقوم به ليس مجرد عمل روتيني ولكنه واجب اخلاقي وطني انساني تجاه اناس تعرضوا لظلم وقهر لا يتصوره عقل، وفهمت من حديثهم ان اكثر شخص يتفهم حجم المعاناة التي اصابت الناس وحجم الصعوبات التي يواجهونها هو الرئيس هادي فقط وعدى ذلك فأن حال اللجنة كحال(المبعدون قسرا) من حيث التسويف وعدم التجاوب المطلوب.
عندما تطوف باقسام مقر اللجنة تلمس حجم العناية بملفات الناس، فهي موضوعة على ارفف بارقام وفهرسة دقيقة وموزعة على اقسام عسكريين من مختلف الجهات ومدنيين، ومصنفة بين ممن تمت معالجتها ومن لا زالت قيد المعالجة وهناك مختصين من مختلف الجهات العسكرية ومن الخدمة المدنية ومن التامينات والمعاشات يتولون التدقيق في البيانات وحساب المستحقات ويصب نشاط كل هذه الاقسام في (سيرفر) مركزي مقدم من احدى المنظمات الدولية، ومن باب الفضول سألت عن بعض الاسماء وفي ثواني ظهرت على شاشة الكمبيوتر.
عدد من القرارات انجزتها اللجنة واصدرها الرئيس هادي، بعضها وجد طريقة للتنفيذ الجزئي وبعضها لم ينفذ بعد وهناك قرارات جاهزة لم تجد طريقها للصدور.
هناك اكثر من سؤال يفرض نفسه بقوة .. لماذا العمل على تعطيل كل ما يخص الجنوب من معالجات؟.. لماذا الاصرار على عدم ارجاع الحقوق لاصحابها، لماذا هناك من هو مصاب (بفوبيا) معالجة قضايا الناس في الجنوب؟، اليست هذه القضية من ضمن مخرجات حوار الموفنبيك التي يردده كل فرد (حكومي) ليل نهار بمناسبة وبغير مناسبة.
وسؤال اخير اقرب الى همسة في اذن دولة رئيس الوزراء.. الا تستحق هذه اللجنة تشريفكم لمقرها وهي تعكف على معالجة قضايا عشرات الالاف من المبعدين لتشعرهم باهتمامكم بمظالمهم؟ وربما ان منهم من كان زميلا او رئيسا او مرؤوسا لدولتكم في عهد مضى؟.
اخيراً.. لا نملك الا ان ننادي فخامة الرئيس هادي الى التدخل وإلزام (الخلايا النائمة) في حكومته وبطانته الى الارتفاع الى مستوى المسؤولية في التعامل مع قضية المبعدين قسرا بوصفها قضية حقوق لا تخضع للماحكات السياسية.. وكفى.