بعد ليل طويل عاشه الوطن وبعد معاناة ترافقت بسيل غزيرمن الدموع والدماء ، ومن بين الحرائق والدمار والدخان بعث من جديد طائر -الفينيق- الجنوبي.
كان ليلنا طويل وعشنا ويلاته حتى انبلج الفجر، ولقد قيل ان الأمعان في السطوة واذلال الشعوب اما ان تحولهم الى حملان مطيعة. مذعنة، واما ان تحولهم إلى ذئاب كاسرة . ولقد تحولنا كثيرا وشمخنا وصمدنا وأنتصرنا بعد ان دارت علينا رحا الحروب المهلكة وطحنتنا طحن الرحا بثفالها.
من بين خرائب ودماء وعناءآت إستفاق الجنوب وهو اليوم في ذروة عزمه وأوج شدته وتصميمه على أنتزاع حقه واسترداد هويته، ولا انكر انني من اصل يمني وكذلك - المغربي- وساكني- جزر القمر- . كما أنني لا انكر انني عربي وهناك اكثر من عشرين دولة عربية .
أنا جنوبي دون صلف او شوفونية، والجنوب أرض مفتوحة لكل اشقائه ، له شعبه وهويته وتاريخه ،وكما انني عربي فلا يعني ان بلادي مشاعا بلا حدود او هوية أو راية، بل هي ارض محدده باسمها وحدودوها وهويتها .هنا يجب ان يفهم المتحذلقون من يعزفون على أن تحقيق الذات تعني المشاريع الصغيرة وتجزية المجزء !.
إذا كانت هويتي تغضب وتقلق البعض ، فليغضب من غضب، وسنجزء المجزء ونشطر المشطر طالما والجسد مصاب بكل عاهات الدنيا من عاهات مذهبية وعاهات قبيلة بل وعاهات الفيد والتربص على أن مقولة عودة الفرع الى الاصل باطلة . فإذا فسد الاصل فعليك أنقاذ - الفرع- من غرغيرنا مميتة.
اليوم يشمخ الجنوب بوحدة أنسانه وتكاتف وتراحم ابنائه، وتسامحهم وتصالحهم، هذا التسامح الذي ادهش العالم هو اساس بقاء الامة ومصدر قوتها. فلا تتركوا ثغرات الشحناء تعيث فينا، ولا تسمحوا بخطاب النشاز والكراهات ان تشوش على اسماعنا. ولقد تعلم الجنوبيون التراحم والتسامح مع ماضيهم وتاريخهم وذكرياتهم، فلن نسمح لمن يدق اسافين الغيلة والكراهات بيننا ولن نستمد من الماضي سوى العبرة، ولن نستحضر الاخطاء الماضية الاّ لتجنبها، دون إمعانها في الوقيعة والعبث بلحمتنا وشق صفنا.
جزى الله المصائب كل خيرٍ. نعم فلقد كانت جملة الناعقين، والتي كنا نسمعها في كل حين، انكم يا اهل الجنوب شراذم وملل وجماعات مشتتة ومرتبكة، وكنا نعرف ان التشرذم لم يكن طبعنا ولا التمزق هوايتنا ولا مبلغ علمنا ، ولكنهم دهاقنة -الباب العالي- جعلونا نشك بانفسنا، وزرعوا بيننا الشوك والقتاد والمتسول والصياد. والبعض صدّق الكلام المعسول ومضى مع كل مكون ومنبر ومع كل إتجهات الريح ، حتى تكشفت لهم حقالئق والوقيعة، وان اخوة -يوسف- أشد فتكا من الذئب.
اليوم تغربل المشهد وثبت لنا نهارا جهارا اننا كنا في حالة وقيعة ولقد وقعنا لسنوات في غياهب جب -الباب العالي- وعشنا الوقيعة لسنوات عجاف حتى تراكمت التوحشات، فاتت بعد حين وتوحشاتهم عليهم.وهكذا التوحش - كالنار- يأكل بعضه ان لم يجد ما يأكله.
اليوم هناك الامل الوطيد والموقف الأكيد في اننا على درب الوطن، لكننا ونحن على درب الوطن سوف نحتاج الى لملمة صفوفنا والتخلي عن الاعجاب بالنفس او التخوين فالدسائس والفتن لا زالت تحاك، ونحن اليوم محسودون على تضامننا وعلى توزاننا وصدق قولنا في زمن الزيف والبهتان والنميمة.
لقد أنصفنا ومن خصمنا الزمن. الزمن الذي ظن خصمنا انه قد دان له .وانصفتنا رجولتنا وشجاعتنا وتضحياتنا وتصميمنا على دحر الظلم ، والزمن دار دورته، وهكذا الايام نداولها بين الناس.
إلى اين الجنوب يمضي؟ سؤال لم يعد يحير ربابنة الوطن. اننا نمضي نحو تحقيق الذات وبناء وطنا جميلاً شامخاً متناغماً منسجماً مع نفسه ومحيطه الخليجي والعربي والدولي، بل ومع شقيقه الشمالي المغلوب على أمره.
فاروق المفلحي