السؤال الكبير الذي أراهن بعدم قدرة أي مسؤول في الحكومة اليمنية على الإجابة عليه، بوضوح دون استخدام الكلمات المطاطة، ودون تأتأة أو اضطرار العبث باﻷنف أو اللحية والشارب، هو: هل الحكومة اليمنية جادة وحادة فعلاً في قرارها بقطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر؟ وبالأصح: هل هي جادة وقادرة على تجفيف منابع الإرهاب والتطرف في الداخل اليمني متمثلاً في «التجمع اليمني للإصلاح» (اخوان اليمن)؟
في زخم قرارات قطع العلاقات الدبلوماسية لعدد من دول الخليج ومصر مع قطر، اضطرت حكومة اليمن مرغمة لا بطلة أن تجاري الأشقاء في «التحالف»، وأصدرت بياناً أعلنت فيه قطع علاقتها مع الدوحة، لكنها لم تكلف نفسها عناء إبلاغ سفارتها المغتربة هناك بالعودة إلى عدن أو أي بلد آخر، ما اضطر القطريون أمس لمطالبة بعثة اليمن في الدوحة بالمغادرة.
وعليه، يبرز سؤال: بأي عرف دبلوماسي تقطع دولة علاقتها مع دولة أخرى ولا تسحب سفارتها منها، كما فعلت مصر والسعودية والإمارات والبحرين؟
دعونا من هذا ولننظر ماذا فعلت اليمن في محاربة وتجفيف منابع التطرف والإرهاب «الإخواني» كما فعلت باقي دول الخليج ومصر.
بالنسبة للدول الأخرى، ومنذ اليوم الأول، حددت كل من القاهرة وأبو ظبي والرياض مواقفها من «الأخوان» الذين قالت هذه العواصم إن الدوحة تدعمهم لإثارة القلاقل والإرهاب، ولم تكتف بهذا بل أعدت قائمة بالعناصر التي وصفتها بالإرهابية، وأغلبها تنتمي لجماعة «الإخوان»، فماذا فعلت اليمن؟
وحدها اليمن أعلن فيها «إخوان» الرياض اليمنيين أنهم مع المقاطعة، فيما قال «إخوان» اليمن في الدوحة واسطنبول إنهم ضدها، وهاجموا دول «التحالف» بعنف، وشبهوا قطع علاقاتها مع قطر بحصار كفار قريش للرسول.
كذلك كان الحال وما زال على أرض الواقع لم يتغير شيء، وما زال «الإخوان» هم «الإخوان»، يأمرون وينهون وينهبون ولا يستطيع أحد أن يعترض.
ليس هذا فحسب، فحين توقع الناس الشروع في تجفيف منابع الدعم المقدم لـ«الإصلاح» كجزء من إجراءات المقاطعة ومحاربة الإرهاب، وجهت الرئاسة اليمنية بتمكين «الإصلاح» عبر نائب الرئيس، علي محسن الأحمر، من الإشراف على صرف 150 مليون ريال سعودي مقدمة مكرمة من خادم الحرمين الشريفين لشهداء اليمن.
ولكم إن كنتم تعرفون تاريخ «الإصلاح» مع المعونات والدعم والمنح أن تتصوروا، كيف سيتعامل حزب انتهازي كهذا مع مبلغ ضخم كهذا، وهو الذي لا تفوته فرصة نهب حتى «قطمة أرز وقرطاس تمر» مقدمة من جمعيات خيرية، واستثمارها في أنشطته الحزبية ودعاياته الانتخابية وبيع ما تبقى؟
تعتقد الحكومة اليمنية، وهي بالمناسبة حكومة شبه «إخوانية» بالمطلق وإن كان أغلبها دون لحى، أنها أذكى من دول الخليج ومصر، وأنها ستلاعب الجميع وستضحك على ذقونهم، دون أن تضحي بأي من أدواتها وأركان حكمها السابقة والحالية، وأنها لن تبدل في سياساتها، بل ستلاعب الجميع «حكولة» بحسب مكان تواجدها، تشتم قطر في الرياض، وتمتدحها في اسطنبول والدوحة وفي داخل اليمن، وأنها لن تضحي برجالها بل ستعيد إنتاجهم من جديد، وإن اضطرت أحياناً إلى تغيير جلود بعضهم بحيث يكونوا صالحين للاستخدام في كل الأزمنة والظروف.
في كل هذا اللعب مع الكبار، وصل البعض من هؤلاء حد الطرافة والاستهبال والاستغفال، حيث أرسل إعلاميون إصلاحيون مقيمون في الرياض رسائل اعتذار واستعطاف مشفرة إلى قطر عبر شكاوى نشروها في مواقعهم في الداخل اتهموا فيها الرياض واللجنة الخاصة السعودية بأنها تدفع لهم مبالغ كبيرة للإساءة إلى قطر، وأنها تهدد من لا يستجيب، وقالوا مضطرون للأسف لأخذ هذه المبالغ والإساءة إلى الحبيبة قطر. فهل رأيتم ما هو أكثر وقاحة من هذا؟