لا يليق بالمقام تذكر الماضي الأليم ونحن نعيش أجواء احتفالية بذكرى التصالح والتسامح لكن ذلك لا يعني عدم تذكر ماضينا القريب وأخذ العبرة من ذلكم الماضي المؤلم ولنتمثل قول الشاعر الراحل نزار قباني..
قد أكن بالأسى كويت بلادي
ومن الكي قد يجيء الشفاء
يمكن القول إن 13 يناير ادخلت الجنوب العربي في التيه الذي أوصله لقمة سائغة إلى باب اليمن وان 13 يناير أعاد للجنوب توازنه، في يناير الألم قصم ظهر الجنوب بخسارة كوكبة من قياداته وكوادره المتمرسة الذين انتجتهم فترة لعبة التوازنات بين الأطراف الوطنية، فخلال الفترة ما بعد أبريل 80 حتى يناير 86 كان كل طرف يرشح أفضل ما لديه لشغل المناصب، وهكذا حظي الجنوب بأفضل ما لديه من كفاءات في قيادة مؤسساته الوطنية وكان سيف المساءلة مسلط وهكذا حظي الجنوب بفترة يمكن أن نسميها الفترة الذهبية في الجنوب،1980_1986 لكن يناير 1986 اضاع الجمل بما حمل.
في يناير البشرى في 2006 شهد الجنوب إعادة التوازن النفسي بإعلان ولادة نهج التصالح والتسامح الذي تم في جمعية ردفان الخالدة، وللامانة التاريخية فقد سبق هذا الإعلان مبادرات فردية وجماعية بين أبناء المناطق التي تناحرت خلال سنوات الصراعات الجنوبية لعلي أذكر من أولائك الشاعر المعروف علي حسين البجيري الذي كان من الرواد في السعي للتصالح والتسامح، كما سعت إليه شخصيات ورموز كبيرة من قبل أولائك الذين لم تتلطخ أيديهم بتلك الصراعات ومواقفهم معلنة وواضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، وغني عن القول أن الخروج من التيه في يناير 2006 نتج عنه انطلاق المارد الجنوبي في 7 يوليو 2007 بكوكبة من العسكريين الجنوبيين الذين اقعدتهم الوحدة في البيوت، وهكذا نرى أن التمزق النخبوي الجنوبي في يناير 86 ادخلنا في التيه وان (وحدة الشارع) الجنوبي يناير 2006اخرجتنا من هذا التيه، وهذه هي العبرة الاولى.
عند غزو الجنوب في 1994 كان كل اليمن (الشمال) يحشد لاكتساح الجنوب العربي بما في ذلك ما كانت تسمى بالقوى الوطنية التي احتضنها الجنوب، تلك القوى التي كانت تتنمر في الصراعات الجنوبية وتحولت إلى نعامات في مواجهة صنعاء، حتى أنهم في غزو 2015 كانوا يرشدون دبابات الغزاة الى طريق عدن كما قال، ساخرا، أحد قادة الجنوب، ولا ننسى أنه قد تم استغلال الشرخ الجنوبي في 1994 فاستخدمت قوى الجنوب النازحة في مواجهة الجنوب، الزمرة ضد الطغمة، نتيجة غياب المصالحة الوطنية التي ننعم بها اليوم، وتحضرني طرفة كان يرددها شباب عدن في اختصار مسميي الطغمة والزمرة ب (طز) قبل أن يطلقها في وسائل الإعلام الفقيد عمر الجاوي، هذا الشرخ الجنوبي وخدعة ان هناك قوى وطنية تحديثية في اليمن (الشمال) تدافع عن مدنية، هي العبرة الاخرى.
أما العبرة الثالثة فهي وهم إقامة دولة النظام والقانون في العربية اليمنية الذي يتخيله بعض الجنوبيين، ومن لم يعتبر من البيض وهادي وقبلهما الحمدي فهو بحاجة إلى مراجعة قواه العقلية عند اختصاصي ماهر، فقد ذرفنا دموع الفرح عند رفع علم دولة الوحدة في 22 مايو 1990 وكنا نسخر ممن ذرفوا دموع الحزن، وكانوا يقولون لنا ستندمون، كان بعضهم ممن عاش طويلا في اليمن ويعرفها كما لم نعرفها، وما لبثنا أن عرفنا أن السلطة هناك لا تدير دولة وإنما تنظم تقاسم المصالح بين مراكز النفوذ وان الأموال والممتلكات العامة تصرف كترضيات بين مراكز النفوذ هذه، وقد رأينا ممتلكات وأراضي الجنوب توزع كترضيات وغنائم حرب بين هذه المراكز، ويبقى الحاكم في مركزه طالما كان خادما لهذه المراكز، فعندما تم الانقلاب على عفاش في ثورة شارع الستين الشمالي لم يكن ذلك طلبا للتغيير ولكن لأن الرجل خرج عن قواعد لعبة مراكز القوى وأخل بحصص التقاسم بصورة أو باخرى، ومن لم يرى الوجوه التي كانت تعتلي منصة شارع الستين والأطراف التي أيدت الثورة إياها فليسترجع المشهد من جديد.
تلكم هي أهم العبر التي علينا وضعها في اذهاننا وان نقفل عليها بالضبة والمفتاح، ومن اراد ان يجرب حظه فهو حر في ذلك لكن لا يدعي تمثيل الجنوب واهله، فالشارع الجنوبي حفظ الدرس تماما ويعرف ما يريد..
مزيدا من التصالح والتسامح.. وعضوا عليه بالاسنان والنواجد فلا طريق لانتصاركم بغيره.. وكل عام وشعبنا الأبي بخير.
عدن
13 يناير 2017