سياسة الدوران حول الموضوع تجعل الجنوب - بمعناه الوطني - موضوعا سهلا للالتفاف على قضيته غير القابلة للتسوية. كما أنها تجعله موضوعا مؤجلا - مركونا على رف الشرعية - فيما تستمر أقطاب الأزمة اليمنية " وهم خصومه السياسيون أصلا" في إعادة ترتيب أولوياتهم، مطمئنين إلى عدة رهانات منها: أن عدن برمزيتها السياسية الجنوبية "تحت إبط شرعيتهم هم لكن بواجهات جنوبية"، ولذلك مهما تذهب الحرب إلى أقاصيها في جبال مران مثلا، فهي لا تعني أي هزيمة لقضيتهم المركزية، فعدن عاصمة للشرعية اليمنية برضا جنوبي أيضا!. والحال هذه، ماذا تجني عدن من تعصيمها سوى أن تختلط فيها الأوراق والأجندات، بحيث يفرغ تحريرها من مضمونه، ما دامت ساحة مفتوحة للاتجاهات المضادة، تحت يافطة الشرعيةإياها!
ومن تلك الرهانات أيضا أن عدن والجنوب عامة سيظل موضوعا للاختراق ما دام لأقطاب الأزمة اليمنية أياد وأدوات هنا وهناك، تؤدي دورا مزدوجا، بجنوبيتها الجغرافية وقطبيتها اليمنية كطرف سياسي، من دون أن يكون للأجهزة الأمنية الجنوبية الناشئة قدرة على المناورة معها، فهي متخفية، وتعلن ولاءها للشرعية كقناع، وتعمل على زعزعة الأمن لأنها جزء من لعبة تبادل الأدوار .
على أن هناك ما ينبغي أن يقف الجنوبيون أمامه بحزم، بعيدا عن هلامية التصالح والتسامح، كأن يكون جنوبي ما / وجنوبيون آخرون معه، في حكومة ما يسمى بالانقلابيين في صنعاء. فهؤلاء لا ينطبق عليهم مبدأ التصالح والتسامح ولا مبدأ المناورة السياسية بالشرعية التي اضطر الجنوب للقبول به تحت نيران المعركة.
ما حدث في الصولبان اليوم وقبل أيام من فعل إجرامي، لا سبيل إلى منع تكراره ما دامت عدن عاصمة لشرعية يمنية لا شرعية لها في صنعاء. وكان الأمر سيغدو كذلك لو اتخذت تلك الشرعية المكلا عاصمة لها.
الجنوب تحرر من شرعية الاحتلال اليمني (من الباب) فعادت إليه شرعية أقطاب الاحتلال اليمني (من النافذة)، في حال أشبه بحال من ينام و في جرابه حنش!.
الجنوبيون (مركوزون) هناك في صنعاء الانقلابية، وهم (مركوزون) أيضا في الشرعية (اليمنية) في عدن، ليس لكفاءة أو حنكة او حكمة أو وطنية زائدة، ولكن لغرض في نفس (عفاش وعبدالملك واليدومي)، بينما شعب أولئك الجنوبيين له قضية أخرى - يعرفونها - غير الانقلاب والشرعية، ولا يحول بينه وبين تحقيق أهدافها إلا هؤلاء الجنوبيون الانقلابيون منهم والشرعيون، فيما تلتقي أهداف الانقلابيين والشرعيين من أقطاب الأزمة اليمنية على هدف استراتيجي هو ضرب الجنوب سواء بالعبث باستقراره في عدن أو بافتعال التنازع في حضرموت، حتى تفاجأ عدن وحضرموت بطاولة سياسية لم تعدا لها العدة، رغم أنهما محررتان من القبضة العسكرية المباشرة، و حق لهما الجلوس على طاولة تفاوضية لا طاولة تسوية سياسية تموه إعادة إنتاج الخراب السياسي باستبدال تسمية باب (اليمن) بباب (شعوب) مثلا!