عدن .. ونار تحت الرماد !

2016-12-17 10:37

 

رائحة الدم والموت المنتشرة في عدن وأشلاء لحوم البشر فوق الأرصفة والحزن والخوف الذي يملأ القلوب والأفئدة .. وانفلات ضوابط الحدود الدنيا من مقومات الاستقرار  المعيشي والاختلال الكارثة في الأمن العام كل ذلك يفضي وينبئنا بعواصف مدمرة سوف لن ينجو من دمارها أحد حتى أولئك المتسربلين بوهم السلطة والقوة والجاه والنفوذ.

 

إن الرئيس اليوم يدعو إلى تشكيل اللجان للتحقيق واتخاذ الاجراءات القانونية بحق المرتزقة والمتخاذلين عن أداء أعمالهم في الحادث الاجرامي الذي حصل أمام بوابة معسكر الصولبان .. يا سيادة الرئيس إن إعطاء كل اسرة شهيد مليون ريال وللجريح خمسمائة ألف ريال لن تعيد أرواح الشهداء ولن تشفي الجرحى .

إن كل أموال الدنيا لا تساوي قطرة دماء سالت بالأمس من شهدائنا وجرحانا ولن تزيح الوجع من قلوب اسر الضحايا .. مطلبنا أن تحاسبوا المتسبب بتلك الجريمة وتبحثوا لهذا  الشعب المغلوب على أمره عن كرامة وعيش كريم !!

 

إن تسعيرتكم للشهداء والجرحى بخسه جداً يا هؤلاء

ففيما يتصاعد ويتسارع نبض أفعال الإرهاب والفوضى في عدن يبقى العدو معتلياً الأعناق قسراً ويصادر الأخلاق , يفسد الهواء والماء والخبز !! يشتري الذمم ويبيعها في سوق النخاسة .. ينشط يسم البدن ، وينخر الأجساد كالسوس .. يظل العدو يتلاعب بالعبارات النارية ، يغير اسمه ويستبدل جلده يلبس الطهارة حيناً والبراءة حيناً آخر ، يظل العدو  يعمل في الليل كالنمل عيوناً ترصدنا ، وينام النهار تحرسه القمصان المسروقة !!.

يظل العدو يستبيح الوقت ، يرقص (البرع) ويعلق الأشلاء في وضح النهار ، يتلذذ وينام ليصحو على أصوات (هوشلية) يومية تهز السكون!!.

يظل العدو يستقطع الفرح ، ويجسد نفسه ملاكاً يبيع المسابح ويشتري الرصاص ويزرع المتفجرات حتى في لعب الأطفال !!. يظل العدو يستجمع القوة ويوزع فراغاً يحتل البطون !! يظل العدو يفعل ويفعل ونحن غافلون !!.

 

ولأننا أمام غد مجهول الهوية تشيئ ملامحه بالقتامة وينشر الرعب في مساحات الجسد بات قاب قوسين أو أدنى من عقر دارنا ، اجتاحت نذره حياتنا ، وسدت كل متنفس ، وأضحت سياطه علامات فارغه في أجسامنا .. والأرواح تطمس بشائر الحلم وأمنيات الصباح وتئد بذرات الأمل وتفل قدرة الاصطبار وتحيل خبزنا والماء كابوساً ولا يتركنا ولا نملك منه ملاذاً إلا إليه .

 

لا أحب أن أبدو متشائماً ، وأظل أبحث عن كوى الأمل والرجاء مهما اشتدت وطأة النفق المسطوم ، وعن بصيص النور مهما ازدادت حلكة الليل لكن ثمة واقعاً نحياه يجب أن نراه على حقيقته  ، ولن نستطيع تجاوز عثراته ومطباته إذا لم ننظر إليه بعين نقدية موضوعية وثاقبة . ومن أول نظرة نستنتج أننا منذ عقود طويلة ونحن نحيا على الشعارات الجوفاء والطنين الفارغ . نحول الهزائم إلا انتصارات وهمية ومناسبات سنوية ، ونتعامى عن الانتصارات الحقيقية بل ولا نكملها على الرغم من نذرتها ، ونقسم بحياة أولئك الذين أورثونا الهزيمة تلو الهزيمة وكسروا أحلام أجيال على صخور مطامعهم الشخصية وعشقهم التسلط والاستبداد الذي انساهم تضحيات الجرحى ودماء الشهداء .

 

ازداد الطنين والانشاء والبلاغة ، كأننا لم نتعلم شيئاً من كل الذي جرى لنا ... نكتب القصائد الأغاني  ونشغل الفتن بين الأخوة ونهتم بالفيد ونتقاتل ونحترب فيما بيننا .. لنبقى ندور في نفس الساقية  ورغم وضوح اللعبة لا نزال نحن نصدر بيانات الشجب والاستنكار  رغم أننا صرنا نفقد يوماً بعد يوم المزيد من معالم عدن عاصمتنا الأبية وكثيراً من شبابنا وكوادرنا وقيادتنا !!.

 

هكذا نحن نتكلم ونتصارع فيما بيننا .. والعدو يفعل ويفعل !!

ولأن للكلمة ما للرصاصة من تأثير بل قد يزيد تأثير الكلمة عن فعل الرصاصة في التأثير على الناس فالكلمة هي المساهم الأول في تشكيل الوعي والوجدان والضمير .. أسطر هذه الكلمات في هذا المقال لعلي أوقظ الحس الوطني لدى بعض الذين غفلوا فلنصحو من غيبوبتنا فالقلوب منكسرة والطموح الأحلام والأمنيات تتلاشى ولا زلنا مغمضين الأعين ولا ندري من السبب؟!

اسر الشهداء والجرحى مهملين ولا يد تمتد لهم عرفاناً بالجميل لما قدموه من تضحيات ؟!

 

*- أكرم الحريري