حشد الحوثيون عشرات الآلاف من سكان العاصمة صنعاء في احتفال المولد النبوي الشريف، جموع ضخمة تزاحمت في ميدان السبعين، وهذا الميدان الذي يعرفه اليمنيون كثيراً فهو يرتبط دوماً بكل (الكوميديا السوداء) استخدمه المخلوع صالح في خطابه الكارثي 1994م ليعلن زحف الجيش لغزو الجنوب، وعاد يستخدمه في كل مناسبة تسبق الانتخابات الرئاسية التي كان يتقاسم كعكتها مع رفقائه في الدولة والجمهورية (حزب الإصلاح)، وعندما هبت فوضى الإخوان المسلمين في نهاية 2010م، تمسك المخلوع صالح بميدان السبعين، وظهرت ذات (الكوميديا السوداء) عندما كان طرفا النزاع اليمني (علي عبد الله صالح) و(حزب الإصلاح) يتنافسان على السلطة السياسية، وكان أتباع المخلوع صالح في ميدان السبعين في كل جمعة يتسابقون لإبراز ولائهم حتى اعتبروا عفاش خامس الخلفاء الراشدين، بل تجاوز بعضهم ذلك ليضعه في مرتبة الأنبياء، يحدث ذلك في ميدان السبعين بأن يحصل المواطن الجائع على وجبة غداء وحزمة قات ليعيش في وهم الدولة المدنية التي صنعها المخلوع صالح في ثلاثة عقود.
في كل مناسبة سياسية تجد اليمنيين يحتشدون في ذلك الميدان الشهير، هناك تتم عملية تخدير للعقول، تماماً كما خرجت تلك الجماهير الحاشدة لتتمسك بالمخلوع صالح رغماً عن الجوع والفقر والجهل، وعادت تلك الجموع لتؤيد إعلان طرفي الانقلاب ما سمي (المجلس السياسي الأعلى)، وعادت وستعود تلك الجموع الباحثة عن أغصان القات لتردد شعارات وهمية تحت تأثيرات المكبرات الصوتية التي تحيط بالسبعين، هذا التحشيد نوع يجيده أطراف النزاع في اليمن منذ جاءت الجمهورية في 1962م، وهو نوع تستعمله الأحزاب لتعطيل العقل واستخدام المال للحشد، وكذلك للحشد المضاد متى ما دعت الحاجة لذلك.
مشكلة الحوثي والمخلوع وحتى تنظيم الإخوان، أنهم يتنافسون في ميدان واحد، ويستخدمون أدوات واحدة، يختلفون ويتصارعون، ويتفقون عند تجويع الناس وإفقارهم، عند تجهيل الناس وإضعافهم، اعتاد اليمني أن يجد في ميدان السبعين طعاماً وقاتاً، واعتاد أن يردد شعارات واهمة، غير أنّ اليمني لم يعتد أن يجلس ساعات ليستمع لخطاب أجوف كخطاب عبد الملك الحوثي في مناسبة المولد النبوي، خطاب يتحدث فيه عن التسامح والتراضي، وحُسن الخُلق، ومحاسن الشريعة الإسلامية السمحاء، حديث لا يتوافق مع المسيرة الشيطانية التي خرجت من صعدة تفجر بيوت الله، وتمزق المصاحف الشريفة في شوارع المدن والقرى اليمنية، مسيرة عبرت بالقتل والتهديد والتفجير حتى وصلت إلى حدود الانقلاب السياسي، ثم بلغت منتهاه بغزو العاصمة الجنوبية عدن.
عن أي سماحة يتحدث عبد الملك الحوثي؟، وعن أي عقيدة تلك التي أجازت له القتل والاعتقال؟، عن أي شيء يمكن أن نصف به ما وصل إليه اليمن من انهيار في كل شيء؟، من المعيب أن يتحدث عبد الملك الحوثي عن السيرة المحمدية المشرفة وهو الذي طعنها وعبث بأتباعها، الانحراف العقائدي الذي دخلت في الحركة الحوثية لا يمت لزمن التنوير الذي نعيش فيه اليوم، سيجد الحوثي الآلاف التي تصغي له، فهو يعرف أنّ تلك الحشود لا تعي ما يقول، فلقد جاءت تحت وطأة الفقر والجوع، جاءت وقد ملأت أفواهها بالقات لتمارس الهروب من واقعها البائس، هكذا يُحكم اليمن بجوع وفقر وأغصان قات معادلة الخاسر فيها هو الإنسان .. الإنسان.. الإنسان.